الجواب :
الحمد لله
أعدَّ الله تعالى الجنَّة لعباده المتقين ، وجعل عرضها كعرض السماء والأرض ،
مما
يدل على سعتها وعظيم مساحتها ، وإذا أكرم الله تعالى عباده فيها فهو يكرمهم
بفضله
ورحمته ، وفضله عظيم ورحمته واسعة ، ومن ذلك الإكرام : عظيم الملك الذي
يكون لأهل
الجنة ، وقد قال الله تعالى واصفاً ذلك بقوله ( وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ
رَأَيْتَ
نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ) الإنسان/ 20 ، وقد جاء في السنَّة الصحيحة
بيان سعة
ما لأدنى أهل الجنة منزلة وهو عشرة أضعاف الدنيا ! فكيف يكون ما لأعلاهم
منزلة ؟!
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ
خُرُوجًا
مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ
النَّارِ
كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا
فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ
وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ
فَيَأْتِيهَا
فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ
وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ
لَكَ
مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا – أَوْ : إِنَّ لَكَ مِثْلَ
عَشَرَةِ
أَمْثَالِ الدُّنْيَا – فَيَقُولُ : تَسْخَرُ مِنِّي – أَوْ : تَضْحَكُ
مِنِّي -
وَأَنْتَ الْمَلِكُ ؟! فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : ذَاكَ
أَدْنَى
أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ) .
رواه البخاري ( 6202 ) ومسلم ( 186 ) .
وأما بخصوص الأعمال والطاعات التي يأتي بها المسلم لتزداد مساحة ملكه في
الجنة فليس
عندنا فيه شيء ثابت في السنَّة ، ولا شك أنه لو كان للمسلم مكان في الجنة
بمقدار
سوط ، أو بمقدار قوس ، لكان خيراً له من الدنيا وما عليها ، كما صحَّ بذلك
الخبر عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ :
قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ
الْجَنَّةِ
خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ) رواه البخاري ( 2735 ) ، وعَنْ
أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (
وَلَقَابُ
قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ أَوْ
تَغْرُبُ ) رواه البخاري ( 2643 ) .
( قاب قوس ) هو ما بين مقبضه وطرفه ، والمعنى : أن مقدار ذلك من الجنة خير
من
الدنيا وما فيها ، ومثله يقال في " موضع السوط " .
وقد ثبت في السنَّة الصحيحة أن خيمة المؤمن في الجنة طولها ستون ميلاً ،
فكم ستكون
مساحة ملكه إذا كان هذا هو طول خيمة واحدة ؟! فعن أبي موسى الأشعري رضي
الله عنه
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّ
لِلْمُؤْمِنِ فِي
الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا
سِتُّونَ
مِيلًا لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ
فَلَا يَرَى
بَعْضُهُمْ بَعْضًا ) رواه البخاري ( 4598 ) ومسلم ( 2838 ) ، وفي لفظ
عندهما (
عَرضُهَا سِتُّونَ مِيلًا ) .
والله أعلم