الجواب :
الحمد لله
أولاً:
يجب على المسلم أن يطيع ربَّه تعالى فيما أمر ، وأن ينتهي عما نهى عنه وزجر
، ولا
يليق بالمسلم أن يتخير من أحكام الدين وأخلاقه ، فيفعل ما يوافق هواه ويترك
ما
يخالفه ، ومن الأخلاق القبيحة التي لا تليق بالمسلم أن يكون ذا وجهيْن ،
وأصحاب هذا
الخلُق من شرِّ الناس يوم القيامة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
قَالَ :
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ
بِوَجْهٍ
وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ ) رواه البخاري ( 5711 ) ومسلم ( 2536 ) .
قال المباركفوري – رحمه الله - : " قال القرطبي : إنما كان ذو الوجهين شرَّ
الناس
لأن حاله حال المنافق ، إذ هو متملق بالباطل وبالكذب ، مُدخل للفساد بين
الناس .
وقال النووي : هو الذي يأتي كل طائفة بما يُرضيها فيظهر لها أنه منها
ومخالف لضدها
، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين ، وهي
مداهنة
محرمة " انتهى من " تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي " ( 6 / 144 ) .
ثانياً:
ما تفعله هذه المرأة ـ إن كان ما ذكرت عنها صحيحا ـ من إسماع زوجها لحديث
صديقتها
يُعدُّ من الخيانة ، ولا يحل لها فعله ، ولا يحل لزوجها أن يستمع لحديثها ،
وهو مع
كونه مخالفاً للشرع لكونه خيانة لأمانة الحديث ، فهو أيضاً مخالف للمروءة
ومكارم
الأخلاق ، إذ ليس من مكارم الأخلاق أن يستمع رجل لحديث صديقة زوجته ،
وبينهما من
الخصوصية والتبسط في الكلام ما لا يليق لأقرب الناس منها من الرجال أن
يستمع له ،
فكيف أن يكون رجلاً أجنبيّاً ؟! وهل يرضى هذا الزوج ما يفعله مع صديقات
زوجته ، أن
يفعله أزواجهن مع زوجته ؟! والمعلوم أن الأصل في المكالمات الهاتفية أنها
بين
المتصِل والمتصَل عليه ، ولذا فلا يحل للثاني أن يفتح مكبر الصوت ليسمع
حديثَ
المتصل غيره ، كما لا يحل له أن يسجِّل مكالمته الصوتية ، وكل ذلك يجوز إذا
أُعلم
المتَّصِل بذلك ورضي به ، وأما مع عدم علمه فلا يجوز ، إلا إذا كان المستمع
من جنس
المتكلم ، كأن يسمع رجل حديث رجل ، ولم يكن ذلك الكلام مما يستسر به الناس
عادة ،
أو يستسر به المتكلم على وجه الخصوص .
ويشتد المنع والإثم إذا كان المتصل امرأة والمستمع لحديثها رجل .
وقد ورد الوعيد الشديد فيمن استمع لحديث قومٍ خفية وتنصتاً عليهم ، فعَنْ
ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
وَمَنْ
اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ
مِنْهُ
صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري ( 7042 ) ،
والآنُك
هو الرصاص المذاب .
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي – رحمه الله - : " ( وَهُم لَهُ كَارِهُونَ )
أي :
حالة كونهم يكرهونه لأجل استماعهم ، أو يكرهون استماعه اذا علموا ذلك "
انتهى من "
التيسير بشرح الجامع الصغير " ( 2 / 769 ) .
وقال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - : " لا يجوز لمسلم يرعى الأمانة
ويبغض
الخيانة أن يسجل كلام المتكلم دون إذنه وعلمه مهما يكن نوع الكلام : دينياً
، أو
دنيويّاً كفتوى ، أو مباحثة علمية ، أو مالية ، وما جرى مجرى ذلك ... .
فإذا سجلتَ مكالمته دون إذنه وعِلْمِه : فهذا مكر وخديعة، وخيانة للأمانة.
وإذا نشرتَ هذه المكالمةَ للآخرين فهي زيادة في التَّخون، وهتك الأمانة ...
.
والخلاصة : أن تسجيل المكالمة - هاتفية أو غير هاتفية - دون علم المتكلم
وإذنه :
فجور ، وخيانة ، وجرحة في العدالة ، ولا يفعلها إلا الضامرون في الدِّين
والخلُق
والأدب ، فاتقوا الله - عباد الله - ولا تخونوا أماناتكم ، ولا تغدروا
بإخوانكم "
انتهى من " أدب الهاتف " ( ص 28 – 30 ) باختصار .
والله أعلم