نزول الدين على محمد(ص)
قال علماء الإسلام إن الله أنزل دينهم بأجمعه على محمد، فجعلوا بنيان الديانة الإسلامية وأساسها على حقيقة رسالته، واعتبروا من أنكر نبوَّة محمد ورسالته عدواً كافراً، لأنهم يرون أن إنكار ذلك يعني استئصال ديانتهم وملاشاتها. وقرروا أن أربعة أركان الدين الصحيح هي (1) القرآن، و(2) الحديث، و(3) الإجماع، و(4) القياس. ولا لزوم للكلام عن الركنين الثالث والرابع، لأنهما لن يتناقضا مع القرآن والأحاديث.
ومن المؤسف أن المسلمين لم يتفقوا على الأحاديث الصحيحة، فالأحاديث التي يعتبرها أهل السُّنة صحيحة تختلف عن الأحاديث التي يتمسَّك بها الشيعة والوهابيون. ومن المعلوم أن الأحاديث المعتبرة عند الشيعة هي الواردة في كتب (1) »الكافي« لأبي جعفر محمد (329 هـ)، و(2) »من لا يستحضره الفقيه« للشيخ علي (381 هـ)، و(3) »الاستبصار« للمؤلف ذاته، و(4) »نهج البلاغة« للسيد الرضي (406 هـ). لكن أهل السُّنة لم يعتمدوا على هذه الكتب، بل اعتمدوا على ستة كتب أ..... وهي: (1)»الموطأ« لأنس بن مالك (2) »صحيح« البخاري (3) »صحيح« مسلم (4) »سُنن« أبي داود سليمان (5) »الجامع« للترمذي (6) »السنن« لمحمد بن يزيد بن ماجة القزويني. ولكن علماء الإسلام أجمعوا على أن القرآن هو الوحي المتلو، والأحاديث هي الوحي غير المتلو. ومن القواعد المقررة أنه إذا خالف الحديث آية من آيات القرآن، وجب رفض الحديث، لأنهم يعتبرون القرآن كلام الله. غير أن فائدة الأحاديث هي بيان غوامض القرآن وتوضيح ما أُشكل والتبس منه. مثلاً ورد في سورة الإسراء 17: 1 »سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى«. فيلزم لفهم هذه الآية مراجعة الأحاديث، فهي توضح معنى المعراج وتشرحه كما هو معروف عند علماء الإسلام. وكذلك لولا الحديث ما فهم أحدٌ معنى »ق« (وهو اسم السورة رقم 50 في القرآن). فالأحاديث هي التي أوضحت أن الحرف »ق« اسم جبل. ولهذا عزمنا، طلباً للاختصار، على ألا نورد في هذا الكتاب شيئاً يختصُّ بمصادر الإسلام من عقيدة إسلامية أو تعليم، إلا ما كان له أصل وأساس في القرآن ذاته، ويكون قد ورد له تفسير وشرح في الأحاديث المشهورة المتواترة بين كل المسلمين، سواء كانوا من أهل السنة أو الشيعة، لأننا نريد أن تعمَّ فوائد كتابنا هذا بين كل المسلمين، وأن نسهِّل تداوله بين أهل السنة وأهل الشيعة.
وقد اتفق علماء الإسلام على أن القرآن هو كلام الله، كتبه سبحانه في اللوح المحفوظ قبل العالمين. ومع أنه حصلت في خلافة المأمون وبعد خلافته مشاحنات حامية بخصوص قِدَم القرآن (مما لا لزوم إلى ذكره هنا) إلا أن المسلمين أجمعوا على أن القرآن ليس من تأليفٍ بشري، بل قد أنزله الله كله على محمد بواسطة جبريل. وقال ابن خلدون تأييداً لهذا: »إن القرآن نزل بلغة العرب على أساليب بلاغتهم، وكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه من مفرداته وتراكيبه، وكان ينزل جُملاً جملاً وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع، ومنها ما هو في العقائد الإيمانية، ومنها ما هو في أحكام الجوارح« (ابن خلدون ج 2 ص 391). وقال أيضاً: »ويدلُّك هذا كله على أن القرآن بين الكتب الإلهية إنما تلقاه نبيُّنا صلوات الله وسلامه عليه متلوّاً كما هو بكلماته وتراكيبه، بخلاف التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية، فإن الأنبياء يتلقونها في حال الوحي معاني، ويعبّرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية بكلامهم المعتاد لهم، ولذلك لم يكن فيها إعجاز«. (ابن خلدون ج 1 ص 171 و172).
وقد اعتمد علماء الإسلام في اعتقادهم بأن القرآن أنزله الله في آيات قرآنية، مثل: »قُل الله شهيد بيني وبينكم، وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به« (سورة الأنعام 6: 19) فمن هذا يتَّضح أن القرآن يقول إنه ليس تصنيف محمد، وليس مجموعاً من تأليف البشر، بل هو كلام الله تماماً وكليةً، نزل على محمد من السماء في ليلة القدر »إنا أنزلناه في ليلة القدر« (سورة القدر 97: 1). فإذا قبلنا هذا الشرح والبيان وجب الاعتراف بأن مصدر القرآن الوحيد وأصل الدين الإسلامي هو الله رب العالمين، وليس له مصدر خلاف ذلك. فإذا أمكن بالبحث والتحقيق إقامة الدليل أن أكثر القرآن وأغلب عقائده أُخذت من الأديان الأخرى، ومن الكتب التي كانت موجودة في أيام محمد ولا تزال موجودة حتى الآن، ينهار أساس الإسلام. وبما أن بعض المعترضين أكَّدوا أنه في استطاعتهم إقامة الأدلة والبراهين على ذلك، وجب على كل باحث عن الحق، وعلى كل مسلم حقيقي أن يبحث في هذه القضية الهامة، ليعرف: هل قول المعترضين صدق أم كذب؟ لأنه إذا استطاع دحض اعتراضهم أثبت صِدق دين الإسلام وأنه من عند الله. ولهذا السبب عزمنا على البحث في الاعتراضات، وفي تحقيق دعاوي من ذهب إلى أن كثيراً من تعاليم القرآن وعقائد الإسلام مأخوذ ومقتبس من الأديان الأ.....، ومن الكتب القرآن.