خلق الارض والسماء
قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) .
نزل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مجتمع ساد فيه الجهل والخرافة وانحط فيه التفكير حتى وصل بهم أن يعبدوا حجارة ينحتون منها أصناماً ويقدمون لها القرابين والنذور ؟ وفي هذه الأجواء يتكلم القرآن الكريم عن أعقد حقائق الكون وأهمها وهي حقيقة خلقه من عدم بوساطة حدث هائل يسميه علماء الفلك الضربة الكبرى والقرآن يسميه الفتق وهذا الاكتشاف التي لم يتوصل الإنسان إلى كن حقيقتها إلا بعد سنوات طويلة من البحث المضني وإنفاق الأموال الطائلة وإن هذه الحقائق التي أشار إليها القرآن الكريم إن دلت على شيء فهي تدل على أن هذا لقرآن الكريم هو من عند خالق السماوات والأرض ..
معاني الألفاظ:
يقول ابن منظور وغيره من علماء اللغة العربية : والرتق ضد الفتق أي بمعنى الشق والفصل بين شيئين ملتصقين، أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ببعضها ثم فتقها الله سبحانه وتعالى أي جعلها منفصلين عن بعضهما .
و لقد جاء علم الفلك ليظهر هذه الحقيقة التي ذكرها الله في كتابه وتلاها نبيه على المسلمين قبل ألف وأربعمائة سنة :
يرجع العلماء الفلكيون نشأة الكون إلى 13.7 مليار عام وذلك طبقاً لما أعلنته إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مؤخراً حيث حدثت حادثة تعرف باسم الضربة الكبرى (Big bang) وهي حادثة بداية الكون .
و يعدون أن حدوث مثل هذه الحادثة كان أمراً واقعاً، إذ كانت المادة الموجودة حالياً في الكون مركزة بكثافة عالية جداً في هيئة بيضة كونية تتركز فيها كتلة الكون .
و من الأدلة على صحة نظرية الضربة الكونية الكبرى(Big bang) لنشأة الكون :
1. حركة التباعد المجرية الظاهرة فقد أعلن العالم عالم الفلك الأمريكي المشهور هابل عام 1929 بأن المجرات تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات و تخضع لعلاقة طردية ( استطرادية ) مباشرة بين المسافة و الزحزحة الطيفية نحو الأحمر و استنتج وفقاً لظاهرة دوبلر[1] أن الكون يتمدد ولقد تمكن هابل في عام 1930من إيجاد هذه العلاقة و سميت باسمه وهي تنص بأن " سرعة ابتعاد المجرات الخارجية تتناسب طردياً مع بعدها عنا" وتفسير قانون هابل هو أن الأجرام السماوية في الكون تبتعد بسرعة عنا في جميع الاتجاهات، أي أن الكون في حالة تمدد أينما كان موقعنا في الكون[2] ، قال تعالى : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ {47}[سورة الذاريات]، وإذا عُدنا بهذا الاتساع الكوني الراهن إلى الوراء مع الزمن فإن كافة ما في الكون من صور المادة والطاقة والمكان والزمان لابد أن تلتقي في جرم واحد, متناه في ضآلة الحجم.
2. اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون المدرك:
وقد اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة بل للتليفونات بمدينة نيوجرسي هما أرنو أ.بنزياس(ArnoA.Penzias)وزميله روبرت و. ويلسون (RobertW.Wilson) في سنة1965 م على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية الخواص, قادمة من كافة الاتجاهات في السماء, وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير, ولم يتمكنوا من تفسير تلك الإشارات الراديوية, المنتظمة, السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم, وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة( أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ273 درجة مئوية).
وفي نفس الوقت كانت مجموعة من الباحثين العلميين في جامعة برنستون تتوقع حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير, وإمكانية العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية, وذلك بناء على الاستنتاج الصحيح بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار تلك قد صاحب عملية التوسع الكوني, وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في فسحة الكون, ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون لابد أن تكون سوية الخواص, ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات, ومستمرة ومتصلة بلا أدني انقطاع, وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم, بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة, وأن هذه الحرارة التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين على الأقل, إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق. وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني, وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره التي اتخذت لتكون لنفي الخلق, وإنكار الخالق( سبحانه وتعالى) منذ مطلع القرن العشرين.
ولم تكن مجموعة جامعة برنستون بقيادة كل من روبرت دايك(RobertDicke), ب.ج. إ. بيبلز(P.J.E.Peebles)، ديفيد رول(DavidRoll) وديفيد ولكنسون (DavidWilkinson)هي أول من توقع وجود الخلفية الاشعاعية للكون, فقد سبقهم إلى توقع ذلك كل من رالف ألفر (RalphAlpher) وروبرت هيرمان (RobertHerman) في سنة1948 م وجورج جامو
(GeogeGamow) في سنة1953 م ولكن استنتاجاتهم أهملت ولم تتابع بشيء من الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان.
3. تصوير الدخان الكوني على أطراف الجزء المدرك من الكون:
في سنة1989 م أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA) مركبة فضائية باسم مستكشف الخلفية الكونية أو(كوبيCosmicBackgroundExplorer أو COBE) وذلك لدراسة الخلفية الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض, وقد قاست تلك المركبة درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من ثلاث درجات مطلقة( أي بحوالي2,735+0,06 من الدرجات المطلقة) وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم, وانتشار الإشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف باسم المادة الداكنة (DarkMatter) بعد ذلك
هذه صورة لبقايا الغبار الكوني الذي تم تصويره عام 1995بواسطة تلسكوب هابل .
كذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون( على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية), وأثبتت أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض, وقد سبق القرآن الكريم جميع المعارف الإنسانية بوصف تلك الحالة الدخانية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة بقول الحق( تبارك وتعالى:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)
وكان في اكتشاف هذا الدخان الكوني ما يدعم نظرية الانفجار الكوني العظيم.
4. عملية الاندماج النووي وتأصل العناصر:تتم عملية الاندماج النووي في داخل الشمس وفي داخل جميع نجوم السماء بين نوى ذرات الإيدروجين لتكوين نوى ذرات أثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة، وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج الصحيح بتأصيل العناصر بمعني أن جميع العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها أكثر من مائة عنصر قد تخلقت كلها في الأصل من غاز الإيدروجين بعملية الاندماج النووي, فإذا تحول لب النجم المستعر إلى حديد انفجر النجم وتناثرت أشلاؤه في صفحة السماء حيث يمكن لنوى الحديد تلقي اللبنات الأساسية للمادة من صفحة السماء فتتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد وقد جمعت هذه الملاحظات الدقيقة من جزيئات الجسيمات الأولية للمادة وعلم الكون وأيدت نظرية الانفجار العظيم التي بدأت بتخلق المادة وأضدادها مع اتساع الكون وتخلق كل من المكان والزمان ثم تخلق نوى كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم ثم تخلق بقية العناصر المعروفة لنا ولذا يعتقد الفلكيون في أن تخلق تلك العناصر قد تم على مرحلتين نتج في المرحلة الأولى منهما العناصر الخفيفة وفي المرحلة الثانية العناصر الثقيلة والتدرج في تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم أو أثناء انفجارها على هيئة فوق المستعرات هو صورة مبسطة لعملية الخلق الأول يدعم نظرية الانفجار العظيم ويعين الإنسان على فهم آلياتها, والحسابات النظرية لتخليق العناصر بعملية الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبرية على معدلات تفاعل الجسيمات الأولية للمادة مع نوى بعض العناصر, وقد بدأ هذه الحسابات هانز بيته (HansBethe) في الثلاثينات من القرن العشرين وأتمها وليام فاولر (WilliamFowler) الذي منح جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع آخرين في سنة1983 تقديرا لجهوده في شرح عملية الاندماج النووي ودورها في تخليق العناصر المعروفة, ومن ثم المناداة بتأصل العناصر, وهي صورة مصغرة لعملية الخلق الأول.
6. التوزيع الحالي للعناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون
تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن غاز الإيدروجين يكون أكثر قليلا من74% من مادته, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من تلك المادة, ومعنى ذلك أن أخف عنصرين معروفين لنا يكونان معا أكثر من98% من مادة الكون المنظور, وأن ما بقي من العناصر المعروفة لنا يكون أقل من2%, مما يشير إلى تأصل العناصر, ويدعم نظرية الانفجار العظيم, لأن معظم النماذج المقترحة لتلك النظرية تعطي حوالي75% من التركيب الكيميائي لسحابة الدخان الناتجة من ذلك الانفجار غاز الإيدروجين,25% من تركيبة غاز الهيليوم, وهي أرقام قريبة جدًا من التركيب الكيميائي الحالي للكون المدرك, كما لخصها عدد من العلماء من مثل: Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler Hoyle,Schramm, Olive,Walker,Steigman,Rang,etc
هذه الشواهد وغيرها دعمت نظرية الانفجار الكوني العظيم وجعلتها أكثر النظريات المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم, ونحن المسلمين نرقى بهذه النظرية إلى مقام الحقيقة الكونية لورود ما يدعمها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين يخبرنا بقول الخالق سبحانه وتعالى:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30).
7. إعلان وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية ناسا أن عمر الكون بـ13.7 مليار سنة ضوئية وذلك من خلال استعمال مجسات فضائية متطورة جداً ومناظير إلكترونية محمولة على أقمار صناعية، وهذا الاكتشاف إقرار من الوكالة إلى أنه كان لهذا الكون بداية[3].
8. تبين أن العناصر التي تكون قشرة الأرض هي نفسها العناصر التي تتكون منها النجوم والشهب والكواكب وذلك من خلال دراسة الأطياف الضوئية التي تصدر عن ذرات العناصر التي تكون النجوم والشهب ومقارنتها مع الأطياف اللونية التي تصدر عن العناصر والذرات في الأرض، و يقول العلماء إن الكون يتوسع من الضربة الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد بل إنهم يعتقدون أنه سوف يتباطأ تمدده تدريجياً، ثم يقف، وبعدها ينقلب على نفسه، ويبدأ بالتراجع في حركة تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104) والقرآن الكريم يخبرنا أكثر عن هذا فيصف لنا حركته على أنه حركة حلزونية : فيصف لنا حركة طي السماء أي حركة العودة إلى نقطة البداية أنها حركة حلزونية وذلك من خلال تشبيهها بحركة طي السجل للكتب والسجل هو ورق البردي الذي كان يكتب عليه فكان يطوى بحركة حلزونية تدور حول محور ثابت والله سبحانه وتعالى يقول لنا في نهاية الآية (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أي إن حركة بدأ الكون تشبه حركة إعادة الكون إلى لحظة البدء والتي وصفها القرآن الكريم بالطي وهذه تدل على أن الكون سوف يكون ممدداً فيطويه الله تعالى أما كيفية الطي هذه فقد شرحها الله سبحانه وتعالى في قوله (كطي السجل للكتب ) أي كما يطوي الكاتب ورق البردي وهذا إعجاز كوني عظيم لم يكتشفه علماء الفلك إلا بعدما قاموا بتصوير المجرات التي يتكون منها الكون فوجدوا أنها تتباعد بحركة حلزونية عن بعضها كما أن كل المجرات تتوسع وتتباعد نجومها عن بعضها البعض بحركة متباعدة حلزونية تشبه كحركة فتح كتاب ورق البردي القديم من أجل القراءة بعد ما يكون مطوياً وأنها تدور حول محور ثابت هو محور المجرة كما أن المجرات كلها أيضاً تدور بحركة حلزونية حول محور ثابت هو محور الكون فهي تماماً تشبه حركة فتح ورق البردي للقراءة وكما أن أن ورق البردي عند فتحه يصبح منبسطاً ممتداً كذلك يصبح الكون في مرحلة من مراحله، ويقول العلماء أن الكون سوف ينكمش على نفسه بفعل قوى رد الفعل وقوى الجذب الداخلي على نفسه لينكمش بشكل يعاكس شكل التمدد قال تعالى :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء:104) أي كطي السجل للكتب وهذا تماماً ما أثبته العلم الحديث من أخبر محمداً بهذه الحقيقة الكونية إنه رب العالمين (4).
وقد اكتشفها بمحض المصادفة باحثان بمختبرات شركة بل للتليفونات بمدينة نيوجرسي هما أرنو أ.بنزياس(ArnoA.Penzias)وزميله روبرت و. ويلسون (RobertW.Wilson) في سنة1965 م على هيئة إشارات راديوية منتظمة وسوية الخواص, قادمة من كافة الاتجاهات في السماء, وفي كل الأوقات دون أدني توقف أو تغير, ولم يتمكنوا من تفسير تلك الإشارات الراديوية, المنتظمة, السوية الخواص إلا بأنها بقية للإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم, وقد قدرت درجة حرارة تلك البقية الإشعاعية بحوالي ثلاث درجات مطلقة( أي ثلاث درجات فوق الصفر المطلق الذي يساوي ـ273 درجة مئوية).
وفي نفس الوقت كانت مجموعة من الباحثين العلميين في جامعة برنستون تتوقع حتمية وجود بقية للإشعاع الناتج عن عملية الانفجار الكوني الكبير, وإمكانية العثور على تلك البقية الإشعاعية بواسطة التليسكوبات الراديوية, وذلك بناء على الاستنتاج الصحيح بأن الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار تلك قد صاحب عملية التوسع الكوني, وانتشر بانتظام وسوية عبر كل من المكان والزمان في فسحة الكون, ومن ثم فإن بقاياه المنتشرة إلى أطراف الجزء المدرك من الكون لابد أن تكون سوية الخواص, ومتساوية القيمة في كل الاتجاهات, ومستمرة ومتصلة بلا أدني انقطاع, وبالإضافة إلى ذلك فإن هذا الإشعاع الكوني لابد أن يكون له طيف مماثل لطيف الجسم المعتم, بمعني أن كمية الطاقة الناتجة عنه في مختلف الموجات يمكن وصفها بدرجة حرارة ذات قيمة محددة, وأن هذه الحرارة التي كانت تقدر ببلايين البلايين من الدرجات المطلقة عند لحظة الانفجار الكوني لابد أن تكون قد بردت عبر عمر الكون المقدر بعشرة بلايين من السنين على الأقل, إلى بضع درجات قليلة فوق الصفر المطلق. وانطلاقا من تلك الملاحظات الفلكية والنظرية كان في اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون دعم عظيم لنظرية الانفجار الكوني, وقضاء مبرم على نظرية ثبات الكون واستقراره التي اتخذت لتكون لنفي الخلق, وإنكار الخالق( سبحانه وتعالى) منذ مطلع القرن العشرين.
ولم تكن مجموعة جامعة برنستون بقيادة كل من روبرت دايك(RobertDicke), ب.ج. إ. بيبلز(P.J.E.Peebles)، ديفيد رول(DavidRoll) وديفيد ولكنسون (DavidWilkinson)هي أول من توقع وجود الخلفية الاشعاعية للكون, فقد سبقهم إلى توقع ذلك كل من رالف ألفر (RalphAlpher) وروبرت هيرمان (RobertHerman) في سنة1948 م وجورج جامو
(GeogeGamow) في سنة1953 م ولكن استنتاجاتهم أهملت ولم تتابع بشيء من الاهتمام العلمي فطويت في عالم النسيان.
3. تصوير الدخان الكوني على أطراف الجزء المدرك من الكون:
في سنة1989 م أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا (NASA) مركبة فضائية باسم مستكشف الخلفية الكونية أو(كوبيCosmicBackgroundExplorer أو COBE) وذلك لدراسة الخلفية الإشعاعية للكون من ارتفاع يبلغ ستمائة كيلو متر حول الأرض, وقد قاست تلك المركبة درجة الخلفية الإشعاعية للكون وقدرتها بأقل قليلا من ثلاث درجات مطلقة( أي بحوالي2,735+0,06 من الدرجات المطلقة) وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويها التام في الخواص قبل الانفجار وبعده أي من اللحظة الأولى لعملية الانفجار الكوني العظيم, وانتشار الإشعاع في كل من المكان والزمان مع احتمال وجود أماكن تركزت فيها المادة الخفية التي تعرف باسم المادة الداكنة (DarkMatter) بعد ذلك
هذه صورة لبقايا الغبار الكوني الذي تم تصويره عام 1995بواسطة تلسكوب هابل .
كذلك قامت تلك المركبة الفضائية بتصوير بقايا الدخان الكوني الناتج عن عملية الانفجار العظيم على أطراف الجزء المدرك من الكون( على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية), وأثبتت أنها حالة دخانية معتمة سادت الكون قبل خلق السماوات والأرض, وقد سبق القرآن الكريم جميع المعارف الإنسانية بوصف تلك الحالة الدخانية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة بقول الحق( تبارك وتعالى:
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)
وكان في اكتشاف هذا الدخان الكوني ما يدعم نظرية الانفجار الكوني العظيم.
4. عملية الاندماج النووي وتأصل العناصر:تتم عملية الاندماج النووي في داخل الشمس وفي داخل جميع نجوم السماء بين نوى ذرات الإيدروجين لتكوين نوى ذرات أثقل بالتدريج وتنطلق الطاقة، وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج الصحيح بتأصيل العناصر بمعني أن جميع العناصر المعروفة لنا والتي يبلغ عددها أكثر من مائة عنصر قد تخلقت كلها في الأصل من غاز الإيدروجين بعملية الاندماج النووي, فإذا تحول لب النجم المستعر إلى حديد انفجر النجم وتناثرت أشلاؤه في صفحة السماء حيث يمكن لنوى الحديد تلقي اللبنات الأساسية للمادة من صفحة السماء فتتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من الحديد وقد جمعت هذه الملاحظات الدقيقة من جزيئات الجسيمات الأولية للمادة وعلم الكون وأيدت نظرية الانفجار العظيم التي بدأت بتخلق المادة وأضدادها مع اتساع الكون وتخلق كل من المكان والزمان ثم تخلق نوى كل من الإيدروجين والهيليوم والليثيوم ثم تخلق بقية العناصر المعروفة لنا ولذا يعتقد الفلكيون في أن تخلق تلك العناصر قد تم على مرحلتين نتج في المرحلة الأولى منهما العناصر الخفيفة وفي المرحلة الثانية العناصر الثقيلة والتدرج في تخليق العناصر المختلفة بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم أو أثناء انفجارها على هيئة فوق المستعرات هو صورة مبسطة لعملية الخلق الأول يدعم نظرية الانفجار العظيم ويعين الإنسان على فهم آلياتها, والحسابات النظرية لتخليق العناصر بعملية الاندماج النووي تدعمها التجارب المختبرية على معدلات تفاعل الجسيمات الأولية للمادة مع نوى بعض العناصر, وقد بدأ هذه الحسابات هانز بيته (HansBethe) في الثلاثينات من القرن العشرين وأتمها وليام فاولر (WilliamFowler) الذي منح جائزة نوبل في الفيزياء مشاركة مع آخرين في سنة1983 تقديرا لجهوده في شرح عملية الاندماج النووي ودورها في تخليق العناصر المعروفة, ومن ثم المناداة بتأصل العناصر, وهي صورة مصغرة لعملية الخلق الأول
6. التوزيع الحالي للعناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون
تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن غاز الإيدروجين يكون أكثر قليلا من74% من مادته, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من تلك المادة, ومعنى ذلك أن أخف عنصرين معروفين لنا يكونان معا أكثر من98% من مادة الكون المنظور, وأن ما بقي من العناصر المعروفة لنا يكون أقل من2%, مما يشير إلى تأصل العناصر, ويدعم نظرية الانفجار العظيم, لأن معظم النماذج المقترحة لتلك النظرية تعطي حوالي75% من التركيب الكيميائي لسحابة الدخان الناتجة من ذلك الانفجار غاز الإيدروجين,25% من تركيبة غاز الهيليوم, وهي أرقام قريبة جدًا من التركيب الكيميائي الحالي للكون المدرك, كما لخصها عدد من العلماء من مثل: Alpher,Gamow,Wagonar,Fowler Hoyle,Schramm, Olive,Walker,Steigman,Rang,etc
هذه الشواهد وغيرها دعمت نظرية الانفجار الكوني العظيم وجعلتها أكثر النظريات المفسرة لنشأة الكون قبولاً في الأوساط العلمية اليوم, ونحن المسلمين نرقى بهذه النظرية إلى مقام الحقيقة الكونية لورود ما يدعمها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة من السنين يخبرنا بقول الخالق سبحانه وتعالى:
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30).
7. إعلان وكالة أبحاث الفضاء الأمريكية ناسا أن عمر الكون بـ13.7 مليار سنة ضوئية وذلك من خلال استعمال مجسات فضائية متطورة جداً ومناظير إلكترونية محمولة على أقمار صناعية، وهذا الاكتشاف إقرار من الوكالة إلى أنه كان لهذا الكون بداية[3].
8. تبين أن العناصر التي تكون قشرة الأرض هي نفسها العناصر التي تتكون منها النجوم والشهب والكواكب وذلك من خلال دراسة الأطياف الضوئية التي تصدر عن ذرات العناصر التي تكون النجوم والشهب ومقارنتها مع الأطياف اللونية التي تصدر عن العناصر والذرات في الأرض، و يقول العلماء إن الكون يتوسع من الضربة الكبرى، ولا يوجد دليل بأنه سيتمدد للأبد بل إنهم يعتقدون أنه سوف يتباطأ تمدده تدريجياً، ثم يقف، وبعدها ينقلب على نفسه، ويبدأ بالتراجع في حركة تقهقرية وهذا مصداق لقوله تعالى :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104) والقرآن الكريم يخبرنا أكثر عن هذا فيصف لنا حركته على أنه حركة حلزونية : فيصف لنا حركة طي السماء أي حركة العودة إلى نقطة البداية أنها حركة حلزونية وذلك من خلال تشبيهها بحركة طي السجل للكتب والسجل هو ورق البردي الذي كان يكتب عليه فكان يطوى بحركة حلزونية تدور حول محور ثابت والله سبحانه وتعالى يقول لنا في نهاية الآية (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) أي إن حركة بدأ الكون تشبه حركة إعادة الكون إلى لحظة البدء والتي وصفها القرآن الكريم بالطي وهذه تدل على أن الكون سوف يكون ممدداً فيطويه الله تعالى أما كيفية الطي هذه فقد شرحها الله سبحانه وتعالى في قوله (كطي السجل للكتب ) أي كما يطوي الكاتب ورق البردي وهذا إعجاز كوني عظيم لم يكتشفه علماء الفلك إلا بعدما قاموا بتصوير المجرات التي يتكون منها الكون فوجدوا أنها تتباعد بحركة حلزونية عن بعضها كما أن كل المجرات تتوسع وتتباعد نجومها عن بعضها البعض بحركة متباعدة حلزونية تشبه كحركة فتح كتاب ورق البردي القديم من أجل القراءة بعد ما يكون مطوياً وأنها تدور حول محور ثابت هو محور المجرة كما أن المجرات كلها أيضاً تدور بحركة حلزونية حول محور ثابت هو محور الكون فهي تماماً تشبه حركة فتح ورق البردي للقراءة وكما أن أن ورق البردي عند فتحه يصبح منبسطاً ممتداً كذلك يصبح الكون في مرحلة من مراحله، ويقول العلماء أن الكون سوف ينكمش على نفسه بفعل قوى رد الفعل وقوى الجذب الداخلي على نفسه لينكمش بشكل يعاكس شكل التمدد قال تعالى :(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء:104) أي كطي السجل للكتب وهذا تماماً ما أثبته العلم الحديث من أخبر محمداً بهذه الحقيقة الكونية إنه رب العالمين (4).