الدولة العثمانية{2}
وحاول ملك الصرب الجديد (لازار بلينا نوفتش) وأمير البلغار سيسمان الاتفاق على قتال العثمانيين ، وقد وجدوا نفسيهما ضعيفين رغم أنهما لم يخوضا سوى المعارك الجانبية ، فاضطرا إلى دفع جزية سنوية ، وتزوج السلطان ابنة أمير البلغار عام 780 .
ونظمت فرق الخيالة في عهد السلطان مراد الأول ، وهي التي عرفت بـ (سيباه) أو السباهية ويقصد بها الفرسان ، وأصبح لها نظام خاص بحيث يعطى كل فارس جزءاً من الأرض إقطاعاً له ، ويبقي بيد أصحابه سواء أكانوا من المسلمين أم من النصارى يعملون به ، ويدفعون خراجاً معيناً لصاحب الإقطاع الذي يسكن وقت السلم في إقطاعه ، ويعدون وقت الحرب ونفقته ، ويجهز معه جندياً آخر ، وهذا النظام وإن قدم خدمات في بداية الأمر إلا أن هؤلاء السباهية قد أصبحوا في النهاية أصحاب نفوذ يصعب السيطرة عليهم ، ويختلفون مع أصحاب الأرض الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض الأصليين وبيدهم القوة فينفذون ما يريدون ، ويتضايق أصحاب الأرض فينقمون على السباهية وبالتالي على الحكم ، وتكون الفوضى والفجوة بين الحكم والرعية.
ولم ينس السلطان مراد الأول آسيا الصغرى بل بقي دائب التفكير فيها وفي التخلص من تلك الإمارات الصغيرة التي تشكل رقعاً محدودة المساحة ، فهو لا يريد أن يأخذها بالقوة ويشكل نقمة عليه ، ولا يريد أن يتركها تتصارع بينها ، وتجعل مجالاً للتدخل في شؤونها من قبل الغرباء ، وفي الوقت نفسه لا تنفق وتتوحد لتقوم بغزو القسطنطينية يداً واحدة ، وتجاهد كقوة واحدة ، ورأى أن يحل مشكلاتها تدريجياً مع الزمن ، وقد بدأ بإمارة ( كرميان ) أقرب الإمارات إلى أملاكه ، فزوج ابنه بايزيد من ابنة أمير كرميان فقدم الأب لابنته مدينة( كوتاهية ) فضمت إلى الدولة العثمانية ، وفي عام 782 ألزم أمير دويلة الحميد الواقعة بين إمارات ( قرمان ، وتكه ، ومنتشا) بالتنازل عن أملاكه للدولة العثمانية.
وتأخر الصرب والبلغار في دفع الجزية ويبدو أنه على اتفاق بينهما في هذا التأخير ، فتوجهت الجيوش العثمانية إلى بلادهم ففتحت بعض البلاد الصربية التي تقع اليوم في جنوبي يوغوسلافيا ، كما حاصرت عاصمة البلغار ( صوفيا ) وفتحتها عام 784 بعد حصار استمر ثلاث سنوات ، كما فتحت مدينة( سلانيك ) ، المدينة اليونانية المشهورة والواقعة على بحر ايجه.
تمرد ساوجي بن السلطان على أبيه بالاتفاق مع ابن إمبراطور القسطنطينية (اندرونيكوس بن يوحنا باليوج) ، وكان يوحنا قد حرم ابنه هذا من ولاية العهد وأعطاها لابنه الآخر (عمانويل) ، فأرسل السلطان لابنه جيشاً انتصر عليه وقتله ، كما أرسل إلى الإمبراطور البيزنطي فقتل ابنه أيضاً.
وقام أمير دويلة القرمان علاء الدين ، وبعض الأمراء المستقلين بحرب الدولة العثمانية فأرسل لهم جيشاً انتصر عليهم في سهل ( قونية ) ، وأخذ الأمير علاء الدين أسيراً ، غير أن ابنته زوجة السلطان قد توسطت له فأطلق سراحه ، وأبقى له إمارته ، ولكنه فرض عليه دفع مبلغ من المال سنوياً وذلك عام 787 .
واستغل الصرب انشغال الجيوش العثمانية في الأناضول لقتال علاء الدين أمير القرمان ومن معه ، فهاجموا القوات العثمانية في جنوب الصرب وحصلوا على بعض النجاح عام 788 ، وتأهب أمير البلغار سيسمان للقيام بدوره أيضاً غير أن الجيوش العثمانية قد داهمته واحتلت بعض أجزاء من بلاده ففر إلى الشمال ، واعتصم في مدينة( نيكوبلي ) القريبة من الحدود الرومانية ، وجمع فلول جيشه وهاجم بها العثمانيين غير أنه هزم ، ووقع أسيراً ، لكن السلطان أحسن إليه فأبقاه أميراً على نصف بلاده ، وضم الباقي إلى الدولة العثمانية كي لا يعاود الهجوم.
ولما علم ملك الصرب لازار ما تم بأمير البلغار انسحب بجيوشه نحو الغرب للانضمام إلى الألبانيين ومحاربة العثمانيين معه، غير أن الجيوش العثمانية أدركته قبل وصوله إلى مبتغاه ، والتقت معه عام 791 في معركة وسط سهل (قوص اوه) أي ( إقليم كوسوفو) جنوبي يوغسلافيا ، وكان القتال سجالاً بين الطرفين إلا أن صهر لازار قد انحاز إلى جانب المسلمين بفرقته المؤلفة من عشرة آلاف مقاتل ، فانهزم الصربيون ، ووقع ملكهم لازار أسيراً بأيدي العثمانيين ، وهو جريح فقتلوه لما فعل من أفاعيل خسيسة بأسراه من المسلمين .
وإذا كانت الصرب قد فقدت استقلالها غير أن السلطان مراد الأول ذهب في المعركة أيضاً ، وبينما كان يتفقد نتائج المعركة ويتفحص الجثث إذ قام إليه جندي صربي من بين الجثث وطعنه بخنجر فأرداه قتيلاً ، وقتل الجند العثمانيون القاتل الصربي مباشرة.
لقد ورث مراد الأول عن والده إمارة كبيرة بلغت 95000 كيلومتر مربع ، وعند استشهاده تسلم ابنه بايزيد هذه الإمارة العثمانية بعد أن بلغت 500000 كيلو متر مربع بمعنى أنها زادت في مدى حوالي 29 سنة أكثر من خمسة أمثال ما تركها له والده أورخان .
للقراءة عن معركة( قوصوه ) أو ( قوص اوه ) :
(7) : السلطان بايزيد الأول .. الصاعقة (791-805)
ولد عام 687 في السنة التي تولي أبوه فيها الحكم، وهو ثاني أبناء أبيه من حيث السن، لكن يبدو أنه كان أكثرهم نباهة، وأشجعهم، فنال بذلك الملك ، ولم يخالفه أخوه الأكبر منه علاء الدين ، ولكنه رضي بذلك ، فقدره أخوه أورخان ، وسلمه الوزارة ، فانصرف علاء الدين إلى الأمور الداخلية ، وتوجه أورخان إلى الأعمال الخارجية.
نقل أورخان قاعدته إلى بورصة، وضرب العملة الفضية والذهبية، وأسس الجيش (يني تشري) أي الجيش الجديد من أبناء الأسرى، والصغار الذين يقعون في الأسر ، فيربون في ثكنات عسكرية تربية إسلامية ويدربون تدريباً عسكرياً ، ويتخرجون لا يعرفون إلا القتال والحياة العسكرية والإسلام والجهاد في سبيل الله ، ليس روابط قبلية أو عشائرية إذ لا يعرفون إلا السلطان سيداً لهم ، لذا كانوا قوة كبيرة ساعدت العثمانيين في ضرب خصومهم ، وامتداد الفتوحات العثمانية ، وكان يمكن أن تبقى كذلك لو بقي السلاطين أقوياء لا يسمحون لهم بالتدخل في غير ما اختصوا به ، ولا أن يعطوهم أكثر من قدراهم فتتغير طباعهم ، فما تدخل العسكريون في شؤون الحكم إلا أفسدوه ، ولا تصرفوا في أمور البلاد إلا أضاعوها إلا من عصم ربك ، وهكذا كان شأنهم في النهاية إذ غدوا طريق الهزيمة وسبب المفاسد حتى قضي عليهم عام 1442 في أيام السلطان محمود الثاني.
فتح أزميت، ثم حاصر أزنيق وفتحها ، وعين ابنه الكبير سليمان حاكما عليها ، وأحسن إلى أهلها ، فسمح بالهجرة إلى من يردها ، وسمح لمن بقي بإقامة شعائر دينه ، وبعد مدة توفي أخوه علاء الدين فعين مكانه سلمان بن أورخان.
وفي عام 736 توفي حاكم إمارة (قره سي) الواقعة جنوب بحر مرمرة وإلى الشرق من بحرإيجه، واختلف ولداه فيما بينهما على السلطة، فأسرع أورخان وضمها إلى إمارته كي لا تقع فريسة بيد الروم.
وفي عام 756 طلب إمبراطور بيزنطة يوحنا الخامس (يوحنا باليوج) من أورخان مساعدته ضد إمبراطور الصرب اصطفان دوشان الملقب بالقوي الذي تحالف مع البندقية، والإمارات الصربية للهجوم على القسطنطينية، ووعد بأن يزوجه ابنة الوصي على العرش يوحنا كانتا كوزين التي تزوج هو أختها الأ.....، أي يصبح عديلاً له، وأرسل له أورخان الجند ، غير أن اصطفان دوشان قد أدركه الموت ، وتوقف الاستعداد ، وعاد الجنود العثمانيون إلى بلادهم دون قتال ، وتزوج أورخان ابنة الوصي.
وشعر أورخان بضعف الإمبراطورية البيزنطية بعد أن طلب الإمبراطور منه المساعدة للوقوف في وجه الصرب ، ورأى أن ينتقل إلى الضفة الغربية من مضيق الدردنيل ليتقدم بعدها في أوربا ، ويتمكن من الإحاطة بالقسطنطينية ، والهجوم عليها من الغرب فقد عجز المسلمون من قبل عن فتحها بالهجوم عليها من الشرق ، وإن لم يكن هو فمن يأتي بعده ، فقرر الجهاد ، وأرسل ابنه الكبير سليمان ، ووزير الدولة الأول لدراسة الغزو والتخطيط له ، وفي عام 758 اجتاز سليمان مضيق الدردنيل ليلاً مع أربعين رجلاً من أبطاله ، ولما وصلوا إلى الضفة الغربية استولوا على الزوارق الرومية الراسية هناك ، وعادوا بها إلى الضفة الشرقية ، إذ لم يكن للعثمانيين أسطول حيث لا تزال دولتهم في بداية تأسيسها ، وفي الضفة الشرقية أمر سليمان جنوده أن يركبوا في الزوارق حيث نقلهم إلى الشاطئ الأوربي ، حيث احتلوا قلعة (تزنب) ، وغاليبولي التي فيها قلعة (جنا قلعة) المشهورة ، وابسالا ، ورودستو ، وكلها تقع على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال حتى تصبح رودستو على بحر مرمرة.
وفي عام 760 توفي ولي العهد سليمان ، نتيجة سقوطه عن جواده ، وأصبح ولي العهد مراد ، وفي العام التالي توفي السلطان أورخان فخلفه ابنه مراد.
سياسة أورخان الداخلية والخارجية:
قد كان مما تهدف إليه الدولة العثمانية الناشئة أن ترث دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى وترث ما كانت تملكه ، واستمر الصراع لذلك بينها وبين الإمارات الأ..... حتى أيام الفاتح حيث تم إخضاع آسيا الصغرى برمتها لسلطانه.
واهتم أورخان بتوطيد أركان دولته وإلى الأعمال الإصلاحية والعمرانية ، ونظم شؤون الإدارة ، وقوى الجيش ، وبنى المساجد، وانشأ المعاهد العلمية ، وأشرف عليها خيرة العلماء والمعلمين ، وكانوا يحظون بقدر كبير من الاحترام في الدولة ، وكانت كل قرية بها مدارسها وكل مدينة بها كليتها التي تعلم النحو والتراكيب اللغوية والمنطق وفقه اللغة وعلم الإبداع اللغوي والبلاغة والهندسة والفلك وبالطبع تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه والسنة والفقه والعقائد.
وهكذا أمضى أورخان بعد استيلائه على إمارة قره سي سنة627عشرين سنة دون أن يقوم بأي حروب ، بل قضاها في صقل النظم المدنية والعسكرية التي أوجدتها الدولة ، وفي تعزيز الأمن الداخلي ، وبناء المساجد ورصد الأوقاف عليها ، وإقامة المنشآت العامة الشاسعة ، مما يشهد بعظمة أورخان وتقواه ، وحكمته وبعد نظره ، فإنه لم يشن الحرب تلو الحرب طمعاً في التوسع وإنما حرص على تعزيز سلطانه في الأراضي التي يتاح له ضمها. وحرص على طبع كل أرض جديدة بطابع الدولة المدني والعسكري والتربوي والثقافي وبذلك تصبح جزءاً لا يتجزأ من أملاكهم، بحيث أصبحت أملاك الدولة في آسيا الصغرى متماثلة ومستقرة. وهذا يدل على فهم واستيعاب أورخان لسنة التدرج في بناء الدول وإقامة الحضارة وإحياء الشعوب.
العوامل التي ساعدت السلطان أورخان في تحقيق أهدافه:
1- المرحلية التي سار عليها أورخان ، واستفادته من جهود والده عثمان، ووجود الإمكانيات المادية والمعنوية التي ساعدتهم على فتح الأراضي البيزنطية في الأناضول وتدعيم سلتطهم فيها. ولقد تميزت جهودا أورخان بالخطى الوئيدة والحاسمة في توسيع دولته ومد حدودها ، ولم ينتبه العالم المسيحي إلى خطورة الدولة العثمانية إلا بعد أن عبروا البحر واستولوا على غاليبولي .
2- كان العثمانيون – يتميزون – في المواجهة الحربية التي تمت بينهم وبين الشعوب البلقانية – بوحدة الصف و الهدف، ووحدة المذهب الديني وهو المذهب السني.
3- وصول الدولة البيزنطية إلى حالة من الإعياء الشديد ، وكان المجتمع البيزنطي قد أصابه تفكك سياسي وانحلال ديني واجتماعي ، فسهل على العثمانيين ضم أقاليم هذه الدولة.
4- ضعف الجبهة المسيحية نتيجة لعدم الثقة بين السلطات الحاكمة في الدولة البيزنطية وبلغاريا وبلاد الصرب والمجر ، ولذلك تعذر في معظم الأحيان تنسيق الخطط السياسة والعسكرية للوقوف في جبهة واحدة ضد العثمانيين.
5- الخلاف الديني بين روما والقسطنطينة أي بين الكاثوليك والأرثودكسية الذي استحكمت حلقاته وترك آثاراً عميقة الجذور في نفوس الفريقين.
6- ظهور النظام العسكري الجديد على أسس عقدية ، ومنهجية تربوية وأهداف ربانية وأشرف عليه خيرة قادة العثمانيين.
(8) : مراد الثالث (982- 1574هـ)
السلطان مراد الثالث
تولى العرش بعد وفاة والده ، اهتم بفنون العلم والأدب والشعر ، وكان يتقن اللغات الثلاثة التركية والعربية والفارسية ، وكان يميل إلى علم التصوف.
اشتهر بالتقوى واهتم بالعلماء ، وكان يميل لاقتناء الجواري ويشاوروهن وكانت من بينهن جارية بندقية الأصل سباها فدائيو البحر وبيعت في السراي وسميت صفية تدخلت كثيراً في السياسة الخارجية وساعدت أبناء أصلها.
وفي عهده بلغت مساحة الدولة العثمانية الأوج وهي 19.902.000 كم ، صرف للجنود عطايا الجلوس ومقدارها (110.000) ليرة ذهبية، فمنع الاضطرابات التي كانت تحدث عادة إذا تأخر صرف تلك الهبات.
أولاً : منعه للخمور
وكان من أول أعماله أن أصدر أمراً بمنع شرب الخمور بعد ما شاعت بين الناس وأفرط فيها الجنود خصوصاً الانكشارية ، فثار الانكشاريون واضطروه لرفع أمره بالمنع ، وهذا يدل على ظهور علامات ضعف الدولة بحيث السلطان لا يستطيع منع الخمور وإقامة أحكام الشرع عليهم ، وكذلك يدل على انحراف الانكشارية عن خطها الإسلامي الأصيل من التربية الرفيعة ، وحبها للجهاد وشوقها للشهادة.
ثانياً : وضع الحماية على بولونيا وتجديد الامتيازات :
عمل السلطان مراد الثالث على تنفيذ السياسة التي انتهجها والده من قبل ، ففي عهده قام بعدة حروب في أماكن مختلفة ففي عام (982هـ / 1574م) هرب ملك بولونيا هنري دي فالوا وذهب إلى فرنسا ، فأوصى الخليفة العثماني أعيان بولونيا بانتخاب أمير ترانسلفانيا ملكاً عليهم ، ففعلوا ، وصارت بولونيا (بولندا) فعلاً تحت حماية العثمانيين عام (983هـ / 1575م) واعترفت النمسا بذلك في معاهدة الصلح التي أبرمتها مع الدولة العثمانية عام (984هـ / 1576م) فاستنجدت بالسلطان العثماني فأعلن حمايتها بمعاهدة رسمية ، وجدد السلطان مراد الامتيازات مع فرنسا والبندقية وزاد بعض الامتيازات القنصلية والتجارية مع زيادة بعض البنود في صالحهما أهمها أن يكون سفير فرنسا مقدماً على كافة سفراء الدول الأ..... في الاحتفالات الرسمية والمقابلات الحكومية ، لقد كثر توارد السفراء على الباب العالي للسعي في إبرام معاهدات تجارية أصبحت ذريعة فيما بعد للتدخل الفعلي في شئون الدولة ، وفي زمن السلطان مراد تحصلت إيزابلا ملكة الانجليز على امتياز خصوصي لتجار بلادها وأصبحت السفن الانجليزية تحمل العلم البريطاني وتدخل الشواطئ والموانئ العثمانية.
ثالثاً : القضاء على ثورة مراكش :
وفي عام 985 حدث في مراكش ثورة ، واستعان زعيمها بالبرتغاليين النصارى، واستنجد السلطان بالخليفة فأنجده، وأرسلت قوة من طرابلس اشتبكت مع البرتغاليين في معركة القصر الكبير جنوب طنجة انتصر فيها العثمانيون وحلفاؤهم على البرتغاليين وأنصارهم، وأعيد السلطان الشرعي إلى حكمه.
رابعاً : الصراع مع الشيعة الصفوية :
وفي عام (985هـ / 1577م) ونتيجة لحدوث اضطرابات في بلاد فارس بعد وفاة طهماسب ، أرسل العثمانيون حملة عسكرية ، تمكنت من قطع مفازات شاسعة في بلاد القوقاز وفتحت مدينة تفليس وكرجستان (الكرج) ودخل العثمانيون بعدها تبريز عام (993هـ / 1585م) وتمكنت فيها جيوش مراد من السيطرة على أذربيجان والكرج (جورجيا) وشيروان ولوزستان ، فلما تولى الشاه عباس الكبير حكم فارس سعى إلى إقامة صلح مع العثمانيين ، تنازل بمقتضاه عن تلك الأماكن التي أصبحت بيد العثمانيين كما تعهد بعدم سب الخلفاء الراشدين – أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم – في أرض مملكته وبعث بابن عم له يدعى حيدر ميزرا رهينة إلى استنبول لضمان تنفيذ ما اتفقا عليه.
خامساً : تمرد وعصيان على أيدي الانكشارية :
قام الإنكشاريون بتمرد وعصيان في الولايات العثمانية بعد توقف الحروب ، في استانبول والقاهرة وتبريز وبودا وقتلوا الولاة ، وكان السلطان قد كلفهم بحرب المجر غير أنهم هزموا أمام النمسا التي ساندت المجر ، واحتلت عدة قلاع حصينة استردها سنان باشا بعد ذلك ، كما أعلن أمراء الأفلاق والبغدان وترانسلفانيا التمرد وانضموا إلى النمسا في حربها مع العثمانيين ، فسار إليهم سنان باشا عام 1003هـ / 1594 غير أنه لم يحرز النصر وخسر عدة مدن.
سادساً : مقتل الصدر الأعظم صوقللي محمد باشا :
قتل الصدر الأعظم نتيجة لدسائس حاشية السلطان المتأثرة بدسائس الأجانب الذين لا يروق لهم وجود مثل هذا الوزير القدير ، الذي سار على منهج الاستقامة ، وطريق الحكمة ، وبناء الدولة ، وحسن القيادة ودقة التخطيط ، وضبط الإدارة ، ومتابعة الولاة ، واستغلال الفرص ، فكان موته ضربة شديدة ومحنة عظيمة وفتح باب للشر في تنصيب وعزل الصدور العظام والتنافس عليه مما أضعف قوة السلطنة ، وارتبكت أحوال البلاد ، وتمردت بعض فرق الجيش ، ولم تتمكن الحكومة من القضاء على هذا التمرد ، ونتيجة لهذه الاضطرابات والثورات الداخلية خرجت بولونيا عن الدولة العثمانية واشتبكت في صراع معهما.
سابعاً : اليهود والسلطان مراد الثالث :
ظن اليهود أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حلم روادهم طويلاً ، فنزحوا في هجرات متقطعة ومتقاربة إلى (سيناء) لاستيطانها ، وكانت خطتهم تقوم في المراحل الأولى على تركيز إقامتهم في مدينة الطور ، وكان اختيارهم لهذه المدينة اختياراً هادفاً ، فهذه المدينة وهي تقع على الشاطئ الشرقي لخليج السويس لها ميناء يصلح لرسو السفن التجارية ، وكان تأتيه سفن من جدة ، وينبع وسواكن ، والعقبة ، والقلزم ، كما كانت المدينة تربط برأً بخط قوافل مع القاهرة و الفرما.
وبذلك كان يسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية فلا يصبحون في عزلة عن العالم بل تستطيع السفن أن ترسو في ميناء الطور تحمل أفواجاً من اليهود الجدد.
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي اسمه (إبراهام) استوطن (الطور) مع أولاده وسائر أفراد أسرته ، ولما أقام اليهود بالطور تعرضوا بالأذى لرهبان (ديرسانت كاترين) مما دفعهم إلى إرسال شكاوى مكتوبة إلى سلاطين الدولة العثمانية وولاتها يشتكون من إيذاء اليهود لهم مذكرين بعهد العثمانيين لحمايتهم ، ومنع اليهود استيطان (سيناء) ومحذرين من نزوح اليهود إلى سيناء وخاصة مدينة الطور في جماعات كثيرة بقصد إيقاع الفتن.
ولما كانت الدولة الإسلامية مسئولة بحكم الشرع عن حماية أهل الذمة ، فقد سارع على الفور المسؤولون العثمانيون إلى إصدار ثلاثة فرمانات ديوانية في عهد السلطان (مراد الثالث) فأمروا بإخراج إبراهام اليهودي وزوجته وأولاده وسائر اليهود من سيناء ومنعهم في قابل الأيام منعاً باتاً من العودة إليها بما فيها مدينة الطور والإقامة بها أو السكنى.
ثامناً : وفاة السلطان مراد الثالث :
توفى السلطان مراد الثالث في1300هـ الموافق 16 كانون الثاني 1595 عن عمر يناهز 49 عاماً ، ودفن رحمه الله في فناء أيا صوفيا.
(9) : عصـور الخلافة العثمانية
مرت الخلافة العثمانية بأربعة أدوار هي على التوالي : عصر القوة ، وعصر الضعف ، وعصر الانحطاط والتراجع ، وعصر حكم الاتحاديين .
أولاً : عصر القوة :
اختلف عهد الخلافة العثمانية عن عهد السلطنة إذ بدأ الاهتمام بالأمة المسلمة ، والعمل على توحيدها ، ثم الوقوف أمام الصليبية صفاً واحداً ، وقد عمل الخلفاء على هذا حتى ضعف أمرهم فأصبح تفكيرهم ينحصر بالمحافظة على ما تحت أيديهم ، حتى إذا زاد الضعف بدأت الدول النصرانية تقتطع من الدولة جزءاً بعد آخر حتى أنهت عليها ، واصطنعت لنفسها أعواناً بين المسلمين ، حتى قضت على الخلافة الإسلامية نهائياً ، وتشتت أمر المسلمين ، وانقسموا فرقاً وشيعاً وعصبية .
لذا فقد توالى على الخلافة العثمانية أربعة عصور كان أولها عصر القوة ، وتعاقب عليه خليفتان فقط هما : سليم الأول ( 923- 926 ) ، وابنه سليمان الأول ( القانوني ) ( 926- 974 ) ، ولم يطل عصر القوة ؛ إذ لم يزد كثيراً عن النصف قرن .
ثانياً : عصر الضعف :
ثم جاء عصر الضعف بعدهما مباشرة ، وبدأ الخط البياني للخلافة العثمانية بالهبوط باستمرار ، وإن كان يتوقف عن الهبوط ، ويسير مستوياً في بعض المراح للقوة بعض الخلفاء النسبية أو لهمة حاشيتهم وخاصة الصدر الأعظم ، وتولى في هذه المرحلة خمسة عشر خليفة ، ويعد أكثرهم مغموراً ، إلا من حدثت في أيامه أحداث جسام فسلطت الأضواء عله وعرف بسببها ، وأولهم هو سليم الثاني ، وتعود معرفته لتوليه الحكم بعد أبيه الذي طارت شهرته ،وبصفته أول الخلفاء الضعفاء ، وقد توقف الخط البياني عن الارتفاع ثم هبط فجأة وبدأت الدولة تتراجع عن أجزاء من أملاكها تدريجياً حتى لم يبق لها إلا القليل ثم انهارت.
وإذا كانت هذه المرحلة قد طالت إذ زادت على ثلاثة قرون ونصف ( 974 – 1327 ) فذلك يعود لهيبة الدولة السابقة ،واتساع رقعتها ، والعاطفة الإسلامية الباقية نسبياً ، واختلاف الدول الأوروبية فيما بينها على التقسيم ،وقيام بعض الخلفاء الأقوياء نسبيا ، وخلفاء هذه المرحلة هم :
1- سليم الثاني ( 974- 982 ) .
2- مراد الثالث ( 982- 1003) .
3- محمد الثالث ( 1003 – 1012 ) .
4- أحمد الأول ( 1012 – 1026 ) .
5- مصطفى الأول ( 1026 – 1027 ) و ( 1031 – 1032 ) .
6- عثمان الثاني ( 1027 – 1031 ) .
7- مراد الرابع ( 1032 – 1049 ) .
8- إبراهيم الأول ( 1049 – 1058) .
9 – محمد الرابع ( 1058- 1099 ) .
10- سليمان الثاني ( 1099 – 1102 ) .
11- أحمد الثاني ( 1102 – 1106 ) .
12 – مصطفى الثاني ( 1106 – 1115 ) .
13- أحمد الثالث (1115 – 1143 ) .
14- محمود الأول ( 1143 – 1168 ) .
15- عثمان الثالث ( 1168 – 1171 ) .
ثالثاً : عصر الانحطاط والتراجع :
وبدأ هذا العصر بعد الضعف الكبير الذي آلت إليه الدولة العثمانية ، وبعد النهضة التي تمت في الدول الأوروبية ، وبعد اتفاق الدول النصرانية كلها مع خلافها بعضها مع بعض على الدولة العثمانية والتفاهم على حربها وتقسيمها ، تحركها في ذلك الروح الصليبية ، وقد عرف هذا الاتفاق ضد المسلمين في الكتب الأوروبية باسم المسألة الشرقية أي مشكلة الدول الواقعة في الشرق من أوروبا .
وكانت مدة الخلفاء طويلة نسبياً ، وقد توالى من الخلفاء في هذا العصر الممتد من عام ( 1171 – 1327 ) أي أكثر من قرن ونصف تسعة خلفاء هم :
1- مصطفى الثالث ( 1171 – 1187 ) .
2- عبد الحميد الأول ( 1187 – 1203 ) .
3- سليم الثالث ( 1203 – 1222 ) .
4- مصطفى الرابع ( 1222 – 1223 ) .
5- محمود الثاني ( 1223 – 1255 ) .
6- عبد المجيد ( 1255 – 1277 ) .
7- عبد العزيز ( 1277 – 1293 ) .
8- مراد الخامس ( 1293 – 1293 ) .
9- عبد الحميد الثاني ( 1293 – 1328 ) .
رابعاً : عصر حكم الاتحاديين :
بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني أصبح كل شيء في الخلافة بيد الاتحاديين ، أما الخليفة فكان صورة ، غير أن الأمر لم يطل إذ لم يتعاقب على الخلافة سوى ثلاثة خلفاء، وكانت الدولة قد اشتركت في الحرب العالمية الأولى بجانب ألمانيا ، فهزمت وتجزأت ، وغادر البلاد رجال الاتحاد البارزين أو الذين كانت بيدهم الأوامر والنواهي ، وجاء إلى الحكم من جديد مصطفى كمال الذي كان منصرفاً إلى شهواته وبناء مجده فألغى الخلافة حسب دور مخطط له ، وزالت الخلافة الإسلامية التي دامت أكثر من أربعة قرون ،وبزوالها لم يعد للمسلمين خلافة فانقسمت بلادهم ، وظهرت النعرات القومية ، وتصارع بعضها مع بعض حتى وهن أمر المسلمين.
أما الخلفاء الذين تعاقبوا أيام حكم الاتحاديين فهم :
1- محمد رشاد ( محمد الخامس ) ( 1328 – 1337 ) .
2- محمد السادس ( وحيد الدين ) ( 1337 – 1340 ) .
3- عبد المجيد الثاني ( 1340 – 1324 ) .