الماء نشربه, نغتسل به, نستعمله في الطبخ, نسبح به, ونستخدمه لأمور كثيرة دون أن نفكر بمدى أهميّته لنا. هذا السائل العديم الطعم والرائحة يشكّل جزءا مهما من حياتنا. فهو يكوّن 65% من أجسادنا ويغطي 80% من الكرة الأرضية إلاّ أن الكمية المتاحة منه للاستعمال لا تتجاوز الـ 1% فقط.
والماء ضروري لإذابة المعادن الضرورية والأكسجين ولتخليص ألجسم من الفضلات الناتجة عنه ونقل المواد المغذّية لأجزائه المختلفة. وهو المادة الوحيدة التي لها الميّزات الضرورية للحياة. وهو يتواجد في الطبيعة في حالاته الثلاث: الجليد والسائل والبخار. ولكن في الكون حيث تتفاوت درجات الحرارة من 270° مئوية تحت الصفر في الفضاء الخارجي الى عشرات الملاين في وسط أحرّ نجم لا يتواجد الماء في حالته السائلة إلا بين درجة صفر الى 100 درجة تحت الضغط الجوي العادي. فمن غير المستغرب إذا أن تكون الأرض هي المكان الوحيد في الكون المعروف بتواجد الماء السائل فيه. فوجودها في مدار الشمس, النجم ذو الحرارة المتوسطة نسبيا, وبعدها المناسب عنه وحجمها تهيئ لها الظروف المناسبة لتوفر الماء السائل وتؤهلها لتحتل مركزا فريدا في الكون.
من الصفات الطبيعية المميزة للماء
من الصفات الطبيعية التي خص الله( تعالي) بها الماء والتي جعل لها أهمية قصوي للحياة مايلي:
(1) البناء الجزيئي ذو القطبية المزدوجة: يتكون جزيء الماء من ذرتي هيدروجين تحملان شحنة كهربية موجبة وترتبطان بذرة أكسجين تحمل شحنة كهربية سالبة بواسطة رابطتين تساهميتين تشكلان زاوية مقدارها105 درجات وهذا البناء الجزيئي المميز جعل للماء من الصفات الطبيعية والكيميائية ما يميزه عن غيره من السوائل والمركبات الهيدروجينية.
(2) درجتا التجمد والغليان: يتجمد الماء عند درجة4 مئوية, ويغلي عند درجة مائة مئوية, ولهاتين الخاصيتين أهمية قصوي لاستمرارية الحياة إذ يبقي الماء سائلا في درجات حرارة أجساد كل الكائنات الحية لتساعد علي إتمام جميع الأنشطة الحيوية ومنها التغذية, وتمثيل الغذاء ونقله الي الخلايا والأنسجة المختلفة وإتمام عملية الأكسدة والاختزال وإخراج الفضلات والنمو والتكاثر وغيرها.
(3) الحرارة النوعية: ويقصد بها كمية الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء عند درجة4 مئوية بمقدار درجة مئوية واحدة. وهي حرارة نوعية مرتفعة مما يمكن جسم الإنسان وأجساد غيره من الكائنات الحية من مقاومة التغيرات الجوية المختلفة بدرجة كبيرة.
(4) الحرارة الكامنة: والحرارة الكامنة لتبخر الماء هي الحرارة اللازمة لتبخير جرام واحد من الماء دون أن تتغير درجة حرارته, وتبلغ540 سعرا حراريا, وكذلك فإن الحرارة الكامنة لانصهار الماء المتجمد( الجليد) أي: كمية الحرارة اللازمة لصهر جرام واحد منه دون أن تتغير درجة حرارته تبلغ80 سعرا حراريا.
وارتفاع قيم الحرارة الكامنة للماء يكسبه مقاومة كبيرة في التحول من الحالة الصلبة إلي السائلة إلي الغازية, وهذه الخاصية تجعل من الماء واحدا من أفضل السوائل المستخدمة في إطفاء الحرائق إذ يستهلك كمية كبيرة من الحرارة. من الوسط الذي يحترق قبل أن ترتفع درجة حرارته, مما يعين علي خفض درجة الحرارة وإلي إطفاء الحرائق.
(5) اللزوجة والتوتر السطحي: وتعرف لزوجة السائل بمقاومته للحركة, أما التوتر السطحي فهو خاصية من خصائص السوائل الساكنة, وفيه يكون السطح الحر للسائل مشدودا ليأخذ أقل مساحة ممكنة, ويتميز الماء بلزوجة عالية نسبيا بسبب انجذاب جزيئاته إلي بعض بفعل الرابطة الهيدروجينية وتزيد هذه اللزوجة بانخفاض درجة حرارة الماء لزيادة قرب جزيئات الماء من بعضها البعض حتى درجة4 مئوية حين تبدأ في التباعد, وتتسبب الرابطة الهيدروجينية في زيادة التوتر السطحي للماء مقارنة بالسوائل الشبيهة.
وهاتان الخاصيتان تساعدان علي مزيد من التماسك بين مواد الخلية الحية, وعلي إكساب الخلايا شكلها الخاص وتساعدان علي امتصاص العصارة الغذائية بواسطة الشعيرات الجذرية وعلي رفعها مقاومة الجاذبية الأرضية إلي الفروع والأوراق وحتى القمم النامية في أعلي النبات بارتفاع يفوق الارتفاع الذي يحدثه الضغط الجوي( حوالي عشرة أمتار), ويعين علي ذلك فقدان الماء من الأوراق بواسطة عمليات النتح والتبخر حيث يصل الضغط المائي أضعاف الضغط الجوي وان كان ذلك يختلف حسب نوع النبات وظروفه البيئية وذلك لكي يستمر ارتفاع العصارة الغذائية من الشعيرات الجذرية عبر السيقان والفروع إلي الأوراق والزهور والثمار.
وتساعد لزوجة الماء وتوتره السطحي أيضا علي إبطاء عملية فقدان الماء من الأوراق عبر ثغورها, ومن أجساد الإنسان والحيوان عبر مسام الجلد, وإذا خرج الماء الزائد يبقي علي سطح كل من الأوراق والجلد برهة حيث يتبخر فيبردوهما ويكسبهما شيئا من الرطوبة في الجو الحار.
وتساعد خاصيتا اللزوجة والتوتر السطحي المرتفعتان نسبيا للماء في حماية السفن والبواخر المحملة بالأحمال الثقيلة من الغوص في الأعماق وذلك بدفعها إلي أعلي وزيادة قدرتها علي الطفو.
(6) قلة كثافة الماء عند تجمده: من الثابت علميا أن قوة الرابطة الهيدروجينية تتلاشي بين جزيئات الماء بارتفاع درجة حرارته مما يجعل جزيئات الماء منفردة في حالة التبخر, ومزدوجة أو ثلاثية في حالة السيولة حسب درجة الحرارة, وفي حالة رباعية في حالة الجليد الرخو
(Snow)
وفي حالة ثمانية في حالة الجليد الصلب
(Ice)
وفي الحالة الأخيرة يزداد الحيز المكاني الذي تشغله ثماني جزيئات مما يقلل من كثافة الجليد وهي خاصية ينفرد بها الماء لأنها لازمة لحياة الكائنات الحية في المناطق المتجمدة.
إسكان الماء في الأرض
جعل الخالق سبحانه للماء درجة غليان عالية (100ْ) مئوية، وليست منخفضة كدرجةغليان باقي الموائع من المذيبات كالكحول والبنزين التي تغلي عند درجة حرارة منخفضة. فلو كانت مياه البحر تغلي عند درجة منخفضة لتبخرت مياه البحار والأنهار ولكان الماء معلقاً في جوالأرض في صورة بخاركما هو الحال في كوكب الزهرة.ولو زادت درجة غليان الماءلأبطأت عملية التبخر،فلا نحصل على الكمية الكافية من الأمطار،فسبحان الخالق الحكيم العليم الخبير.
فسبحان القائل: ﴿… وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا(48)لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا(49)وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)﴾ (الفرقان:48-50).
إنّ الماء أساسي جدا للحياة. بدونه لا يمكن للحياة أن تبدأ أو تستمر ولا يمكن الاستعاضة عنه بأي شيء آخر "