موضوعات مختلفة في العقيدة لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
موضوع الدرس : معاني الفعل في القرآن الكريم .
تفريغ : م . المهندس عرفان النابلسي .
تدقيق لغوي : الأستاذ غازي سليمان والأستاذ أحمد مالك .
التنقيح النهائي : المهندس غسان السراقبي .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، و انفعنا بما علمتنا، و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً ، و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً ، و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون : في الدرس الماضي تحدثت عن بعض المعاني الدقيقة التي يعبر بها عن تعدية الفعل ، ورأيتم كيف أن الإنسان إذا فهم حقيقة لغته العربية ، ثم قرأ القرآن الكريم يفهم المعنى الذي أراده الله صوابًا ، أما إذا كان ضعيفاً في فهمه لقواعد اللغة ، ولأسرارها ، ولمدلولات ألفاظها ، فقد يفهم عكس المعنى الذي أراده الله ، فإذا فهم عكس المعنى الذي أراده الله قد يقع في سوء ظن بالله ، قد يظن بالله غير الحق ظن الجاهلية .
وقد ضربت على ذلك أمثلة كثيرة ، حيث إن من معاني تعدية الفاعل إلى المفعول به ليس الخلق فحسب ، بل الوجدان أيضًا ، أبخلته أي : وجدته بخيلاً ، أغويته أي : وجدته غاوياً ، أغفلته أي : وجدته غافلاً .
من معاني التعدية الوجدان ، ومن معاني التعدية الحكم ، ومن معاني التعدية القضاء ، ومن معاني التعدية الاتهام ، هذه بعض المعاني .
فلو قرأت آية وبدا لك لأول وهلة أن كمال الله عز وجل لا يتناسب مع هذا المعنى ، فهل يعقل أن الله سبحانه وتعالى يخلق في نفس الإنسان الغفلة ، وقد خلقه ليعرفه ، خلقه ليرحمه ، وهل يعقل أن يخلق الله في نفس الإنسان الضلال ، فإذا قال الله : أضله الله كان المعنى : وجده ضالاً ، نظر إليه فوجده ضالاً ، فهل يعقل أن يخلق الله في نفس الإنسان الغواية ؟ لا ، ثم لا ، بل نظر إليه فوجده غاوياً ، وهكذا .
إخوة كثر تأثروا كما قالوا لي تأثراً بالغاً من الدرس السابق ، لأنهم اتجهوا اتجاهاً آخر ، لأن هذه اللغة لها أسرار ، ولها قواعد ، وحينما نعلمها علماً صحيحاً ، أو حينما نعرفها معرفةً صحيحة فماذا فعلنا ؟ فهمنا كلام ربنا ، وأحسنا الظن به ، وازداد حبنا له ، وانطلقنا إلى العمل الصالح ، لذلك أتابع هذا الموضوع في هذا الدرس .
لدينا موضوع جديد ، وهو معاني الأفعال ، الدرس الماضي كان معاني تعدية الأفعال ، اليوم موضوع الدرس : معاني الفعل في القرآن الكريم .
أول معنى من معاني الفعل وقوع الفعل ، قال تعالى :
( سورة النصر )
(جاء) بمعنى وقع ، هذا اليوم جاء ، أي وصلْنا إليه ، إلا أن اللغة دقيقة جداً ، إذ نستخدمها كثيراً ، لكن لها معانٍ دقيقة هذه ، فكلمة (إذا) فيها معنى الظرف ، وفيها معنى الشرط ، وفيها معنى الاستقبال في آن واحد ، والإعراب التقليدي لها : ظرف لما يستقبل من الزمن ، خافض لشرطه ، متعلق بجوابه ، مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان .
لكن إذا قرأتَ الآية الكريمة ، "إذا جاء نصر الله والفتح" تجد أنّ العلماء قالوا : إذا تفيد تحقق الوقوع ، فإذا قال الله عز وجل : "إذا جاء نصر الله والفتح" ، فنصر الله لا محالة آتٍ فاطمئن ، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى هذا المعنى .
أحياناً الإنسان لحكمة أرادها الله عز وجل يرى أن المسلمين ضعاف في العالم ، وأن أعداءهم أقوياء جداً ، وأنهم يكيدون لهم بكل وسيلة ، فإذا كنت مع الله عز وجل لا يمكن أن يتخلى الله عنك ، وقد مرَّ معنا في درس سابقٍ آية كريمة ، قال تعالى :
( سورة النحل )
أولاً الآية التي وجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن توجه إلينا ، لكن بقدر إيماننا ، فإذا خاطب الله النبي بقوله :
وأنت أيها المؤمن إذا كنت مستقيماً ، إذا كنت متبعاً لسنة النبي ، وإذا كنت محباً لله عز وجل ، مخلصاً له ، لا تخشى أحداً ، فتوكَّلْ على الله ، هناك معنى يسميه العلماء (ما بين السطور) ، معنى ضمني ، أنّ الله لا يتخلى عن المؤمنين ، فإن كنت مؤمناً صادقاً فتوكل عليه ، فهو لا يتخلى عنك ، فتوكل على الله إنك على الحق المبين ، وما دمت على الحق المبين فإنّ الله لا يخذلك .
ولدينا نقطة دقيقة جداً ، أرجو الله أن يمكنني من توضيحها لكم ، في أثناء حركة الحياة نستنبط قوانين ، مِن هذه القوانين المستنبطة من حركة الحياة مثلاً : إذا ملَك الرجل مائة ألف ثم أنفقها فعندئذٍ يغدو بلا شيء ، وإذا أقرض إنسان مائة ألف ، ثم استردها بعد عام خسر في المائة سبعة عشر ، وهذه نسبة التضخم النقدي ، الحسابات الأرضية : الإقراض خسارة ، والإنفاق خسارة ، لكنّ الإنسان حينما يضحي بماله في سبيل مرضاة ربه ، يخضعه الله لمنظومة قوانين جديدة ، ما نقص مال من صدقة ، قال تعالى :
( سورة البقرة )
أنت بحسب قوانين الأرض ، بحسب القواعد المستنبطة من حركة الحياة إنفاق المال خسارة ، فإذا آثرت مرضاة الله عز وجل على ما بيدك من المال ، وإكراماً لك ، ومكافأةً لك ، وتشجيعاً لك يخضعك الله لمنظومة قوانين جديدة أ..... ، وخلاصة هذه القوانين أن الله سبحانه وتعالى يربي لك هذا المال ، وينميه لك بالعناية الإلهية المابشرة .
الحَجَّاج بَطَاش ، وقتْلُ الإنسان عنده سهل جداً ، الإمام الحسن البصري أدى أمانة العلم ، ولم يعبأ ببطشه ، فبحسب القوانين المستنبطة من حركة الحياة ينبغي أن يُقتَل ، وبالفعل أمَرَ بقتله ، واستدعاه ، لكن حينما ضحى بكل شيء يملكه من أجل أداء أمانة العلم ، أخضع اللهُ عز وجل الإمامَ الحسن البصري إلى قانون آخر ، فألقى في قلب الحجاج تعظيمه ، وإكباره ، وكأن الله سبحانه وتعالى قَلَبَ قلْبَ الحجّاج بين أصبعيه ، فغدا معظِّماً ، محباً ، ورحّب به ، وأجلسه على سريره ، وعطره ، وضيفه ، واستفتاه ، وودعه .
فهذه نقطة مهمة جداً ، فحين يبدو لك مِن قوانين الأرض أنك إذا أطعتَ الله عز وجل سوف تخسر، لكنْ لو أنك ضحيت بمصالحك في الدنيا ، وأطعته يخضعك الله لمنظومة قوانين أ..... ، عندئذ تربح .
فأوَّلُ معاني (إذا) : تعني لتحقق الوقوع ، أما حينما يقول الله عز وجل :
( سورة الحجرات )
هل تفيد (إن) التحقق ؟ لا ، بل تفيد الاحتمال ، قد يأتي ، وربما لا يأتي ، أول نقطة في الدرس يجب أن تفرِّق بين (إنْ) وبين (إذَا) ، (إذا) ظرف ، وشرط ، واستقبال ، إذا اقترنت بالفعل فهو لا محالة آتٍ ، أما (إنْ) فهي تفيد الاحتمال ، فقد يقع الفعل ، وربما لا يقع .
من معاني الفعل في القرآن الكريم المشارفة على الشيء ، فحينما قال الله عز وجل :
( سورة البقرة )
فبلغن أجلهن ، الأجل هنا العدة ، إذا بلغت المرأة عدتها ملكت نفسها وأصبحت في حل من عقد الزواج ولن يستطيع زوجها أن يعيدها إليه إلا بعقد جديد ، ومهر جديد ، هل معنى (بلغن) هنا أن الفعل وقع ، أي العدة انتهت ؟ لا ، معنى (بلغن) هنا ليس أن يقع الفعل ، بل اقترب وقوع الفعل.
إخواننا الكرام : أحياناً الدين مع امتداد الأمل يضعف فهْمُه في نفوس الناس ، أحياناً يُفرَغ من مضمونه ، وقد شرع الله عز وجل الطلاق ، ولكن الطلاق السني غير الطلاق البدعي .
الطلاق السني ، لو اختلف الزوجان ، وحلف الزوجُ بالطلاق ، تبقى عنده في بيته ، تأكل معه ، وتشرب معه ، وتتزين له ، فإذا كانت هذه اليمين فيها طابع التسرع ، ولسبب صغير غير كبير ، فسريعاً ما يندم الزوج ، وبمجرد أن يضع يده عليها ، أو يقول لها : راجعتك ، عادت إليه ، وانتهى الأمر ، أما إذا مضى القرء الأول ، والقرء الثاني ، والقرء الثالث ، أول حيضة ، وثاني حيضة ، وثالث حيضة ، ولم يراجعها عندئذ ملكتْ نفسَها ، وطُلِّقتْ تطليقةً واحدة ، وهذه التطليقة هي البينونة الصغرى ، يمكن أن يعيدها إليه بعقد جديد .
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ، يعني اقترب بلوغ أجلهن ، فأمسكوهن بمعروف ، أو طلقوهن بمعروف ، إما أن تبقيها وفق الأصول ، ووفق القواعد ، وإما أن تسرحها ، فإذا دخلتْ إلى الحمام، وأرادت أن تغتسل من القرء الثالث ، فحينما تسكب على نفسها أول وعاء من الماء مَلَكَتْ نفسها ، أما قبل أن تفعل هذا فأنت الذي تملكها ، تعيدها بكلمة ، أو تعيدها بلمسة ، وانتهى الأمر ، الفعل هنا في القرآن لا يعني أنه وقع ، بل يعني أنه اقترب من الوقوع .
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ)) .
(أبو داود وابن ماجه وأحمد)
على الذي مات ؟ لا ، بل على الذي يشارف على الموت ، وهو في النزع الأخير اقرؤوا عليه يس ، كما قال عليه الصلاة والسلام ، هذا المعنى الثاني .
الفعل في القرآن الكريم له معنى ثالث ، أول معنى الوقوع ، والمعنى الثاني المشارفة على الوقوع، والمعنى الثالث إرادة الشيء ، قال تعالى :
( سورة النحل )
هل بعد أن تقرأ تستعيذ بالله ؟ لا ، إذا أردت أن تقرأ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، إذًا إمّا أنْ يُعبَّر الفعل عن وقوع الحدث ، أو عن اقترابه ، أو عن إرادته فقط .
( سورة المائدة )
إذا أردتم أن تصلُّوا فاغسلوا أيديكم ، ذكرت لكم من قبل أن علماء الأصول هم في قمة سلم العلم ، بل إن العلماء العاديين أمام علماء الأصول عوام ، لأن علم الأصول أخطر ما فيه أنه قواعد قطعية الدلالة ، نفهم في ضوئها الأحكام الشرعية ، قال الله عز وجل :
ليس هناك خلاف في حدود الوجه ، مِن منبت الشعر إلى أسفل الذقن ، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن الأ..... ، هذا هو الوضوء ، أما هنا فكلمة (يد) احتمالية ، يُفهَم منها الكف ، والساعد ، و المرفق ، قال تعالى :
(سورة المائدة )
جاء هنا التحديد ، الوجه ليس مختلفاً على حدوده ، مطلق ، أما اليد فمختلف في حدودها ، فجاءت مقيدة بالمرافق ، قال تعالى :
( سورة المائدة )
الباء هنا زائدة ، يعني امسحوا رؤوسكم ، أهي باء الإلصاق ؟ أم باء التبعيض ؟ هنا الاجتهاد ، هذه الباء في قوله :(برؤوسكم) تحتمل معنى الإلصاق ، أي ألصِقوا أيديكم برؤوسكم ، وتحتمل معنى التبعيض ، امسحوا بعض رؤوسكم ، وتحتمل أنها زائدة أي : وامسحوا رؤوسكم ، ولكن رحمة الله عز وجل واضحة جداً في هذه الآية ، في الشتاء هناك ماء بارد ، وليس كل بيت فيه ماء ساخن أو دافئ ، فلو أمَرَنا الله عز وجل أن نغسل رؤوسنا ، وشعورنا فإنّ احتمال المرض يصير كبيرًا جداً ، لكنْ أن تمسحوا بربع رؤوسكم ، أو أن تمسحوا كل رؤوسكم في الصيف ، أو أن تعدها زائدة ، والمعنى : أن تمسحوا رؤوسكم كلها ، إذاً الاحتماليُّ فيه رحمة دائماً ، والاختلاف في اجتهاد المجتهدين رحمة للخلق ، وامسحوا برؤوسكم ، ثم انظر إلى دقة اللغة في قوله :(وأرجلكم) ، فأرجلكم معطوفة على (وجوهكم) ، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، أيضاً صار هناك تحديد ، وبالمناسبة كان من الممكن أن تأتي الأحكام الشرعية في القرآن الكريم قطعية الدلالة ، عندئذ لا اختلاف ، و لا اجتهاد ، و لا استنباط ، ولا مذاهب ، ولكن الله سبحانه وتعالى شاءت حكمته أن تأتي الآيات القطعية في الدلالة لتغطي الثوابت في الإنسان ، وأن تأتي الآيات الظنية الدلالة لتكون متسعاً ، ورحمة للناس ، فحينما يأتي نص قرآني احتمالي الدلالة فالله سبحانه و تعالى أراد كل هذه الاحتمالات .
لعلي لم أوضح تماماً معنى نص احتمالي ، ونص قطعي ، ولنضربْ مثالاً : أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمائة درهم ، فهل هذه قضية تحتمل شكاً ؟ اعرضْ هذا النص على ألف إنسان لن تجد خلافًا، إذاً هذا نص قطعي الدلالة ، أما أعطِ فلاناً ألف درهم ، ونصفه ، فهذا النص احتمالي الدلالة ، يا ترى ألف وخمسمائة ، أو ألف ونصف درهم ؟ وقد ذكر لي أخ في مجمع اللغة العربية أنّ متعهدًا قام بمشروع ضخم لجهات حكومية ، فلما انتهى المشروع ، وسلمه لأولي الأمر حذفوا له خمسمائة ألف ليرة ، لأنه وضَع أشياء ليست من الدرجة الأولى ، حَزَمَ ، وأقام دعوى ، وأحيلت هذه الدعوى إلى مجمع اللغة العربية ، وفي الشروط كان عليه أن يقدم المواد من أجود الأنواع ، هم فهموها (أجودَ الأنواع) ، المواد ليست أجود الأنواع ، لكنها مِن أجود النواع ، فالخلاف على معنى (من) ، أحيل الموضوع على مجمع اللغة العربية لتحديد معنى (مِن) ، فلما أجاب المجمع بأن (مِن) تعني التبعيض ، ولا تعني الإطلاق كسب الدعوى ، واسترد خمسمائة ألف ليرة ، بسببِ معنى (مِن) ، التي تفيد التبعيض ، مثلاً أنت تقرأ القرآن قوْلَه تعالى :
( سورة نوح )
لماذا قال الله : (مِن) ؟ لأن هناك ذنوباً لا تُغفَر ، فما كان بينك وبين العباد لا يُغفر إلا بالأداء أو المسامحة ، فإِمّا أن تؤدي ، وإما أن يسامحك خصمُك ، أمّا ما كان بينك وبين الله فإنّ الله يغفره ، فجاءت الآية الكريمة :
سورة نوح )
فأنت لتَنَتَبَّهْ لهذا ، (مِن) للتبعيض .
أول معنى : وقوع الفعل ، المعنى الثاني : اقترابه ، المعنى الثالث : إرادته ، المعنى الرابع : توقعه ، قال تعالى :
( سورة البقرة )
فالفعل (خاف) لا وقوع ، ولا اقتراب ، ولا إرادة ، ولكن : توقّع ، توقّع الشيء عبر عنه بالفعل خاف .
فإذا فهم الإنسانُ الأفعال على معنى واحد يكون فهمه سقيماً ، وعليلاً ومختلاً ، قال تعالى :
( سورة الأنفال )
هل خاف النبي ؟ لا ، وهل اقترب من الخوف ؟ ، لا ، وهل أراد الخوف ؟ لا ، لكنّه توقع الخوف ، وهذه القصة معروفة عندكم ، يوم نقض بعض المشركين عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، فنبذ إليهم عهدهم ، وخشي كفار قريش أن يتوجه إليهم محارباً ، فأرسلوا أبا سفيان زعيمهم إلى المدينة المنورة ليسترضي النبي عليه الصلاة والسلام ، فأبو سفيان مَن له مِ، الأقرباء في المدينة ؟ ابنته زوجة رسول الله ، أم حبيبة ، فدخل عليها وعلى الأرض فراش ، فجلس عليه فأزاحته ، وطوته ، وأبعدته عنه ، فلم يفهم صنيعَها هذا ، قال : يا بنيتي ، أرغبت بي عن الفراش، أم رغبت بالفراش عني ؟ فقالت : إنه فراش رسول الله ، وإنك مشرك نجس .
هذا هو الولاء ، وعندما ضعف الولاء في المسلمين ، وضعف البراء ، واختلطوا بغير المسلمين ، أو بغير المؤمنين ، أو بغير الطائعين تلوثوا ، فضعفت همتهم ، وضعفت عزيمتهم .
المعنى السادس : القدرة على الشيء ، قال تعالى :
( سورة الأنبياء )
فالله ما طوى السماء ، قال : يوم نطوي السماء ، إنا كنا فاعلين ، أي إنا كنا قادرين على أن نفعل هذا ، فمعنى الفعل هنا القدرةُ عليه ، فصارت معاني الفعل : وقوع الشيء ، ومقاربته ، ثم إرادته، ثم توقعه ، ثم القدرة عليه .
الحقيقة عندما قال سيدنا عمر : ((تعلموا العربية فإنها من الدين)) ، وهذا الكلام بليغ ، هذا الكلام خطير ، لأنه بقدر فهمك البليغ للقرآن الكريم يغدو فهمك لأحكام الله عز وجل صحيحاً ، قال تعالى:
( سورة فاطر )
منَ الممكن للإنسان أنْ يركب البحر ، ويموت عطشاً ، وهو على أكبر كتلة مائية في الأرض ، البحر أربعة أخماس اليابسة ، وفي البحر أماكن عمقها اثنا عشر ألف متر ، ومع ذلك يمكن أن يموت الإنسان عطشاً وهو على ظهر سفينة في البحر ، فلذلك :
( سورة فاطر )
فالمؤمن كلما شرب كأس ماء يجب أن يتذكّر أن الله سبحانه وتعالى هو الذي حلّى لنا هذا الماء ، وجعله عذباً فراتاً بعد أن كان مِلحاً أجاجاً ، ولا تزال نظريات ملوحة البحار موضع شك ، وأخذ ، وردٍّ ، هناك بحيرات عذبة في الأرض نشرب ماءها ، وبحيرات مالحة ، البحر الميت أشد البحار ملوحةً ، وفي الكون بحيرات عذبة ، والبحار كلها مالحة .
( سورة فاطر )
أيها المؤمنون : هل ثمّة رجل يلبس حليًّا ؟ هل هنا معنى الفعل (تلبسونها) أنه وقع ؟ لا ، اقترب ، لا ، أردناه ، لا ، توقعناه ، لا ، قدرنا عليه ، لا ، معنى الفعل هنا استمتعنا به ، هذه الحلي تلبسها زوجاتكم لكم ، فتستمتعون أنتم بها ، فالحلي مؤداها للأزواج ، لذلك قال تعالى :
( سورة فاطر )
أي تستمتعون بها ، وهي على أعضاء زوجاتكم ، قال تعالى :
( سورة فاطر )
سمعت عن طريق أنشئ في البحر بين السعودية والبحرين كلَّف أرقامًا فلكية ، كلف ميزانيات دول ، لو أردنا أن ننشئ طرقًا في البحار لم يكن شيء اسمه ملاحة ، لكن الله عز وجل جعل من خصائص هذا الماء أنْ يدفع الأشياء إلى الأعلى ، فمثلاً احمل دلوًا ، واملأه ماءً ، ضعه في البحرة يذهب منه نصف وزنه ، أو ثلثا وزنه ، لماذا ؟ لأنّ الماء دفعه نحو الأعلى ، هذا مبدأ أرخميدس ، لولا هذه الظاهرة في الماء لما كانت هناك ملاحة بحرية ، الآن يمخر البحارَ سفنٌ تحمل مليون طن ، كأنها مدن ، واليابان تفتقر إلى المواد الأولية أشد الافتقار ، هناك سفن لليابان تأخذ المواد الأولية من الستانلس من أستراليا ، وتصنِّعها في طريقها إلى الشرق الأوسط ، وتسلِّمها في موانئ هذه دول هذه المنطقة ، كانت معادن جاهزة ، وفي الطريق صنِّعت ، لولا قانون أرخميدس لما استفدنا من هذا ، لأنه طريق أرضي يحتاج إلى ألوف الملايين هذا الجسر كلف فيما أذكر ميزانيات دول ، وهو خمسة وعشرون كيلو متر بين السعودية والبحرين في البحر ، قال تعالى :
( سورة فاطر )
جعل الله السفنَ همزات وصلٍ بين البحار ، وجعل الملاحة طريقًا ميسرًا ، قال تعالى :
( سورة الأحزاب )
العدة مَن يعتدها ، الزوج أم الزوجة ؟ هنا في الآية الزوج ، وهذه مسألة فقهية لطيفة ، ليس لها علاقة بدرسنا ، هل يمكن للزوج أن يدخل في العدة ؟ لا يمكن إلا في حالتين ؛ لو أنه طلق زوجته، وخطب أختها هل يستطيع أن يدخل بأختها قبل أن تمضي عدة زوجته الأولى ؟ إن لم تمض يكون قد جمع بين الأختين ، ويكون مخالفاً لقول الله عز وجل ، فلا بد أن يدخل في عدة ، وينتظر أربعة أشهر وعشرة أيام حتى يسمح له بالدخول على أختها ، أو لو أنه خطب عمتها ، أو خالتها ، وهذه حالة نادرة على الرجل أن يدخل في العدة أيضًا ، أو لو أنّ في عصمتِه أربع نساء، وطلّق إحداهن ليتزوج أخرى ، فلو تزوج الأ..... مباشرةً يكون قد جمع بين خمس زوجات ، فيكون حينئذٍ مخالفاً لنص القرآن الكريم .
إذاً هناك حالتان لابد للزوج أن يعتد فيهما ، ولكنْ في هذه الآية معنى آخر ، ذلك أنّ المرأة أحياناً قد تكتم ما في بطنها من حمل ، لكن الزوج هو المسؤول ، الزوج هو القيوم على تنفيذ العدة ، قال تعالى :
( سورة الأحزاب )
إذا عقد إنسانٌ قرانه على فتاة ، ولم يدخل بها فلا عدة لها إذا طلَّقها ، إلا أن العلماء جميعاً قالوا : إذا أغلق الباب ، وأرخى الستار ، ولو لم يدخل بها وجب عليه كل مهرها ، وهذا حكم شرعي .
أحياناً يأتي الفعل في القرآن الكريم مِن غير أنْ يقع ، ولا شارفنا على وقوعه ، ولا أردناه ، ولا قدرنا عليه ، ولا استمتعنا به ، بمعنى آخر ، الفعل لم يقع إطلاقاً ، ولكنّه سيقع يوم القيامة ، قال تعالى :
( سورة المائدة )
هذا الفعل جاء في الماضي ، والفعل لم يقع ، ولن يقع إلا في المستقبل يوم القيامة ، ومن بلاغة القرآن الكريم أنه يعبر عن المستقبل بالفعل الماضي ، مثلاً ، قال تعالى :
( سورة النحل )
معنى أنه ما أتى ، هذا معنىً آخر من معاني الفعل في القرآن الكريم ، لذلك فالإنسان المسلم إذًا له أحد احتمالين ؛ إما أنه ضليع في اللغة العربية ، يفهمها فهماً عميقاً ، ويعرف مدلولات الألفاظ ، ويعرف قواعدها ، ويعرف فقهها ، أو أن يسأل به خبيرا ، أو أن يسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم، لكن أخطر شيء أن تكون معلومات المسلم محدودة ، وأن يستنبط حكمًا شرعيًّا مع جهلِه باللغة العربية ، وأن يشيعه بين الناس ، فيقرأ مثلاً قوله تعالى :
( سورة المائدة )
فيدّعي أن المعنى في هذه الآية : أن الله ما كان يعلم ، إلاّ أن الله فَعَل هذا ليعلم ، وهذا استنباط سطحي فجٌّ يخالف أصول العقيدة الإسلامية ، وهذا له معنى آخر ، فالإنسان ليس مسموحاً له على ضعفه في اللغة أن يستنبط حكماً شرعياً ، أو قاعدةً في العقيدة ، أو فكرةً في أصول الدين استنباطاً شخصياً ، قبل أن يرجع إلى أهلِ الذكر .
فنحن أمام علمين ؛ عِلم بأمره ، وعلم به ، العلم به : (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) ، والعلم بأمره : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ، علوم بأمره وخلقِهِ : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ، وعلوم به (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) .
أيها الإخوة الكرام ، النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((بعثت بمداراة الناس)) ، لِمَ لمْ يقل : بعثت لمداراة الناس ؟ نحن ربما لا نفهم هذا الفرق الدقيق ، بمداراة هنا الباء للاستعانة ، كأن تقول : كتبت بالقلم ، أكلت بالملعقة ، أحياناً تأتي الباء زائدة ، كما في قوله : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِيــنَ)، ومعنى زائدة أنه يمكن أن تحذف ، فلا يتعلق بها المعنى تعلقاً أصلياً : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَــمِ الْحَاكِمِينَ) ، تقول : أليس الله أحكم الحاكمين ، فلماذا زدنا هذه الباء ؟ للتوكيد ، أما إذا قلت: أكلت بالملعقة فهل بإمكانك أن تحذف الباء ؟ إن حذفتها معنى هذا أنك أكلت الملعقة ، الباء أصلية إذًا ، وفي قوله : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) زائدة ، أما : أكلت بالملعقة فالباء أصلية .
الباء الأصلية لها معانٍ كثيرة ، أكلت بالملعقة ، أي : استعنت على الأكل بالملعقة ، مررت بدمشق فالباء ظرفية ، أمسكت به ، إلصاق ، (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) الباء سببية ، كذلك (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) ، هذه الباء سببية ، أي بسببِ رحمة استقرت في قلبك لِنْتَ لهم ، الباء فيما أذكر لها خمسة عشر معنى ، ولقد درسنا معاني الأدوات خلال سنة كاملة في الجامعة ، وأذكر أنّ (ما) لها ثمانية وأربعون معنىً ، وكل شاهد على هذه الكلمة (ما) آية قرآنية ، فدقة اللغة متناهية ، وفيها متعة بالغة .
وإن شاء الله مِن حين إلى آخر حتى لا تملوا أعرِّج على درسٍ من دروس القواعد في اللغة ، ودقائقها ، فالنبي قال : ((بعثت بمداراة الناس)) ، لو قال : بعثت لمداراتهم لأصبحت المداراة هدفاً ، لكنها في الحديث وسيلةٌ ، فأنا أستعين على هدايتهم بمداراتهم .
حينما تقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، وهذه الآية يردِّدها الناس دائماً ، ولها معانٍ كثيرة جداً ، فأنت حينما تلقي النبتة في الأرض أأنت الذي تنبتها ؟ قال تعالى :
( سورة الواقعة )
أنت ألقيتها ، وانتهى الأمر ، فمَن الذي تولى إنباتها ؟ الله عز وجل ، فأنت حينما تلقي الحبة تقول: بسم الله ، يا رب أنا أرجو قدرتك ، وعلمك ، ورحمتك في إنبات هذه البذرة ، فالله وضَع قوانين ، فالنبات مَن ينبته ؟ الله جل جلاله ، فمعنى بسم الله الرحمن الرحيم أي : أستعين بقدرتك يا رب على إنبات النبات ، فأنا ضعيف ، حينما تأكل تقول : بسم الله ، أفأنت الذي تهضم الطعام بذكائك وخبرتك ؟ هل أنت مفرَّغ لهضم الطعام ، تأكل وتنام ، تأكل وتمشي ، تأكل وتسافر ، مِن هذا الطعام المنوع ، مِن خبز وجبن ، إلى فواكه ، حلويات ، مَن جعله سائلاً أبيضَ ؟ هضمٌ ميكانيكي ، وهضمٌ كيماوي ، والصفراء ألقت إفرازاتها ، و البنكرياس ألقى إفرازاته ، والأمعاء الدقيقة ، وعمر الخلية بالأمعاء الدقيقة يومان فقط ، أي ثمانيًا و أربعين ساعة ، وهذا أقصر عمر لخليةٍ ، وهذا الغذاء امتُصَّ إلى الدم ، وأصبح دماً ، والفضلات خرجت ، فأنت إذا قلت : بسم الله يعني : يا رب أنت خلقت الأجهزة ، ، وأنت خلقت الغدد ، وأنت خلقت المعدة ، وأنت خلقت العصارات ، أنا أكلت ، وانتهى الأمر ، أي لا تنسَ فضل الله عليك ، فليس هذا العمل بجهدك ، ولا بعلمك ، ولا بخبرتك ، تأكل بسم الله ، وتركب دابةً بسم الله .
أيها الإخوة الأكارم ، كلمات كثيرة في الإسلام أحياناً فرغت من مضمونها لدى كثيرٍ مِن الناسِ ، البسملة مرة أ..... لو فكرنا في معناها ، مثلاً دخلت إلى بيتك ، فهذا البيت مشيَّدٌ مِن الإسمنت والحديد ، فمَن يضمن لك ألاّ تهتز الأرض اهتزازًا بسيطًا فيصبح البيتُ أنقاضًا ، من أعطى الحديد قوته ؟ من أعطى الإسمنت تحمُّلَه للضغوط ؟ إذا دخلت إلى بيت فقلْ : بسم الله ، هذا البيت متانته ، استقراره ، وبقاؤه بفضل الله .
ركبت مركبة ، فهذا الوقود السائل الذي يحترق ، ويدفع مركبة وزنُها طن ونصف ، مع وزوجة وخمسة أولاد ، هذه الحركة بفضل مَن ؟ هل بفضل ذكائك ؟ لا ، أنت اكتشفت البنزين ، لكن مَن أعطاه قوة الانفجار والدفع ؟ إنه الله عز وجل ، فكلما قلت : بسم الله يعني أنت تستخدم خصائص الأشياء باسم الله ، وقدرته ، لا بقدرتك ، وبعلم الله لا بعلمك ، وبرحمة الله لا برحمتك ، وبعناية الله لا بعنايتك ، بحفظ الله لا بحفظك ، هذه بسم الله ، كأنك تعرف أنّ كل النعم تستخدَم باسم الله ، إذا أكلت فمَن صنع هذا الطعام ؟ وهذه الفواكه مَن صنعها ؟ هذا الحليب مَن خلَقه في ثدي البقرة ؟ هذا الماء مَن جعله عذباً فراتاً ، هذا القمح مَن أنبته ؟ هذه الباء في (بسم الله) للاستعانة .
المعنى الثاني : أنا آكل بسم الله ، وفق منهج الله ، أركب هذه الدابة أو المركبة وفق منهج الله ، وبهدف يرضي الله ، أنا أدخل بيتي لأطبق منهج الله في معاملة زوجتي ، أنا أسافر لأطبق منهج الله في السفر ، هناك معنيان أساسيان في البسملة ، المعنى الأول : أنك تذكر النعمة على أنها مِن عطاء الله وفضلِه ، وأنك تتحرك ، وتستفيد من الأشياء لا بذكائك ، ولا بقدرتك ، ولا بعلمك ، ولكن بفضل الله ورحمته ، فأنت دائماً مع المنعِم بسم الله ، والمعنى الآخر أنّك دائماً مع المنهج بعونِ الله ، فعلى الإنسان أنْ يقول : بسم الله في حياته اليومية كلها ، إنْ دخل إلى بيته ، أو خرج منه ، فكل أمرٍ ذي بال لا يبدأ باسم الله فهو أبتر .
لأن البسملة تذكرك بشيئين ، تذكرك بنعمة الله عليك ، وتذكرك بمنهج الله عز وجل ، حتى إنّ الإنسان إذا تزوج فعليه أن يسمِّيَ ، اللهم ارزقني ولداً صالحاً ينفع الناس من بعدي ، فهل أنت أيها العبد الفقير مَن خلقته في بطن أمه ؟ لا ، لقد ألقيت البذرة ، وانتهى الأمر ، مَن يعلم ما سيكون ؟ الله عز وجل ، فأنا أرجو الله عز وجل أن نستخدم كلمة بسم الله كما أرادها الله عز وجل ، فهي تذكرك بفضل الله ، وتذكرك بمنهج الله .
كل حركتك في الأرض ، وفي الحياة يجب أن تنضبط بأمر الله ونهيِه ، أما الآن فبعضُ الناس يسمي ويذهب إلى معصية ، يسمي ويغش في البيع والشراء ، وقد كتب على محله (بسم الله الرحمن الرحيم) بخط جميل ، وفي بيعه كذب ، وغش ، وتدليس ، أفرغت من مضمونها ، وليس لها معنى بل هي كلمات على الشفتين .
هذه البسملة تعني أن تذكر نعمة الله عليك ، وأنك تستفيد من هذه الأشياء لا بقدرتك ، ولا بعلمك ، ولا بذكائك ، ولكن بفضل الله ، وأنت حينما تتعامل مع هذه الأشياء يجب أن تتعامل معها وفق منهج الله وأمره ، فلذلك نحن الآن إذا بسملنا نستخدم البسملة لنذكر نعمة الله ، ولنذكر منهج الله ، والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا كذلك إذا دخلنا المسجد أن نقول : ((اللهم افتح لي أبواب رحمتك)) ، أنت في المسجد تنتظر رحمة الله ، أما إذا خرجت منه تقول : ((اللهم افتح لي أبواب فضلك)) ، فأنت تنتظر فضل الله ، يعني أن يرزقك عملاً صالحاً لتحقق ما سمعته في الدرس ، في الدرس رحمة وعلم ، وخارج الدرس تطبيق وعمل ، فدعاء الدخول رائع ، ودعاء الخروج مفيد ، بسملة في كل حركاتك وسكناتك ، عوِّد نفسك ، في بعض المدارس يقولون فلان عنده فكر فيزيائي ، فكر رياضي ، فكر أدبي ، الممارسة تخلق ملكات ، فإذا مارست البسملة والتدقيق في الذي أمامك ينشأ عندك فكر توحيدي ، دائماً تعزو النعم إلى الله ، والنبي الكريم كانت تعظم عنده النعمة مهما دقَّت .
سُئِل ملِكٌ : بكم تشتري هذه الكأس من الماء إذا مُنِعَتْ عنك ؟ قال : بنصف ملكي ، قالوا : وإذا منع إخراجه ؟ قال : بنصف ملكي الآخر ، مُلْكُ مَلِكٍ يساوي كأس ماء ن وأنت تشربه ثم تخرجه بسم الله ، فمَن جعل هذا الماء عذباً فراتاً ؟ إنّه الله عزوجل ، ونحن بفضل الله تعالى في الشام نعيش بنعمة لا تقدر بثمن ، أنا في الحج ، أو في العمرة سكنتُ في بيت في مكة مِن أفخر البيوت، وأنا داخــل إلى هذا البيت وجدت مستودع ماء فيه نباتات وحشرات ، قال أحدُهم : هذا الماء للاستخدام ، وللغسيل فقط ، أما ماء الشرب فنستورده مِن خارج البلاد ، يجب أن يكون عندك سيارة لتشتري الماء من محطات كمحطات البنزين تماماً ، أنت في الشام تفتح الصنبور وتشرب بسم الله ، فمَن خزّن هذا المستودع ؟ مستودع الفيجة حدوده المعروفة الآن بين دمشق وحمص شرقاً ، ونصف لبنان غرباً إلى حمص شمالاً ، إلى الفيجة جنوباً ، هذا خزان ماء مهيأ لخمسة ملايين إنسان يشربون الماء النقيَّ الصافي في الشام ، تفتح الصنبور فتجد الماء .
لي صديق ذهب إلى قبرص فقال لي هناك : أين صنبور الفيجة ؟ فكلمة الفيجة لا تفارقنا .
إذا قال الإنسانُ : بسم الله يعرف مَن جعله عذباً فراتاً ، ويذكر المنهج ، مصُّوا الماء مصاً ، ولا تعبوه عباً ، المنهج اشرب على ثلاث دفعات ، المنهج لا تنفخ في الإناء ، المنهج لا تشرب من إناء مكسور ، هذا هو المنهج .
أُتِيتَ بفاكهة : بسم الله ، مَن خلَق هذه الموزة ؟ أحدُهم قال : البذرة كبيرة جداً ، وأكل القشرة .
كيف ينبغي أن تأكلها ؟ هل غسلتها ، من أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه ، يقولون : سمِّ اللهَ وكُلْ ، هذه ليست من الدين ، فأنا أريد البسملة ، أول كلمة في الإسلام ، بسم الله الرحمن الرحيم تذكر فضل الله ، وقدرته ، وعلمه ، وحكمته ، ورحمته ، وتسخير الكون لك ، كل شيء المعنى الثاني تذكر أمر الله ونهيه في هذا الشيء .
إذا دخل الإنسان بيته ، ولم يسمِ قال الشيطان لمَن معه : أدركتم المبيت ، طوال الليل يثير مشاكل، إذا أكل الإنسان ، ولم يسمِ قال الشيطان لمَن معه : أدركتم العشاء ، فإذا دخل ، ولم يسلم ، وأكل ولم يسمِ قال الشيطان : أدركتم المبيت والعشاء .
التسمية تذكِّرك بفضل الله ، وبمنهجه ، وهي مهمة جداً في حياتنا اليومية ، في السفر : بسم الله ، في السفر اختلاط ؟ فلا تسافرْ إذا لابَسَ السفرَ معصيةٌ ، يجب ألاّ تلبي الدعوة ، هناك مغالطات في حياتنا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ)) .
(متفق عليه عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، واللفظ لمسلم)
الدعوة إذا قارنَها منكرٌ يجب ألاَّ تلبَّى ، اختلاط ، غيبة ، نميمة ، فهذه موانع فاحفظها ، كذلك إذا دعاك إنسان ليبدو أمامك عظيماً ، فهذه الدعوة ما أريد بها وجه الله ، هذه قضية منافسة ، قضية استعلاء ، قضية عرض عضلات ، قضية إظهار زينة ، هذه دعوة شيطانية ، الدعوات التي لا تكون لوجه الله لا تلَبِّها ، بسم الله ، أين ذاهب ؟ هناك اختلاط ، وكِبْر ، إنه مجلس غيبة ، ومجلس كذب ، فأين تذهب ؟ لا تذهب ، فكلما قلتَ : بسم الله تذكرتَ فضل الله ، وتذكرتَ منهج الله عز وجل .
والحمد لله رب العالمين