الأمية داء ابتلي به الكثير من الأمم، لذلك فإن الدول تحاول ان تتخلص من براثنها فتمشي جاهدة في تنوير ابنائها وتجعل من سنوات عمر التعليم الاولى الزامية فتارة ست سنوات، وتارة تسع سنوات.
وما ذلك إلا لان التعليم اساس في بناء حياتهم المستقبلية.
القضاء على الامية لن يكون بسلاح من الحديد، بل بالقراءة والكتابة، ولن يشجع الانسان على الكتابة ان لم يتعرف الى القراءة أولا، فالقراءة هي مفتاح فك الامية والقراءة هي الحضارة.
لذلك قالوا: امة تقرأ امة ترقى.
والاسلام عندما جاء والوحي عندما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم بدأه بقوله «اقرأ» وهذا الخطاب لم يكن موجها الى الرسول وحده بل الى امته.
لكن امته وان نشطت للقراءة حينا فإن فتورا اصابها بعد ذلك، مما نبه الغرب للقراءة والكتابة حتى صارت رائدة العالم وصارت تنظر الى الشرق بأنها بؤرة التخلف والامية والجهل.
اقول هذا وانا في عصر التفجر المعرفي فربما قال لي احدهم ان الانسان لم يستسلم للجهل ابدا، ففي عصر من العصور اتقن الصيد، وفي عصر آخر اتقن الرعي، وبعد ذلك اتقن الزراعة ثم الصناعة وها هو الآن يعيش عصر المعلومات.
اقول في جوابه لكن اي انسان تعنيه؟ اذا كنت تعني الانسان الغربي فإنني متفق معك بأنه يواكب الحياة العصرية.
اما الانسان الشرقي فإنه نكص على عقبيه ومازال يتخبط في ظلام الجهل والامية بدليل انه لا يحب القراءة.
يقول الكاتب الكبير عبدالتواب يوسف الذي منح الطفولة كثيرا من انتاجه الادبي: دخلت على احفادي في القاهرة بهدية ملفوفة فاستقبلوني كلهم بالترحاب والتصفيق، ثم قاموا بكشف النقاب عن الملفوفة، فاذا بها كعكة كبيرة من الحلوى المزينة واذا بكل واحد منهم حريص على ان يحصل على نصيبه منها إلا واحدا منهم كان قد نشأ في كندا، وجاء مع امه ليقضي اجازة الصيف في القاهرة جلس وانزوى وعندما عرض عليه جده قطعة من الحلوى رفض وقال لا اريد الحلوى واريد كتابا.
اقول ان هذه القصة تحمل مغزى كبيرا، وهو ان المسألة ليست مسألة عرب وغير عرب قدر ما هي مسألة بيئة ومناخ وتربية، فالاطفال كلهم كانوا عربا كما لاحظناهم لكن وجدنا ان الذين نشأوا في القاهرة تلهفوا على الحلوى التي تغذي معدتهم والذي نشأ في كندا راح يطلب الكتاب الذي يغذي فكره وعقله.
اعود فأقول اننا نحن العرب خاطبنا ربنا أول ما خاطبنا بقوله اقرأ ومازلنا في حاجة الى القراءة لان الذي لا يقرأ لا يستطيع ان يفهم الحياة من حوله.
ثم ان القراءة في زماننا غير القراءة في زمان الآباء والاجداد قبل قرون، اننا الآن في عصر السرعة وعصر التفجر المعرفي بمعنى اننا امام كم من المعلومات وكم من الاجهزة والآلات والوسائل.
هذه المعلومات يجب ان نستوعبها في اقل فترة من الزمن، ولكي نحقق ذلك يجب ان نستفيد من الوسائل العصرية التي وفرها لنا العلم الحديث.
اذن لابد ان يطور القاريء نفسه ليلحق الزمن، وإلا اصيب بالملل والتعب، ورفض القراءة البتة.
اذ من المعلوم كما يقول الخبراء ان من يقرأ 200 كلمة الى 250 أو 300 كلمة في الدقيقة يفكر بسرعة 5000 كلمة في الدقيقة اي ان سرعة التفكير سرعة الصوت وليس سرعة القراءة وهذا هو مقدور القاريء المتوسط.
مثل هذا القاريء لاشك انه يصاب بالملل، لانه لا مقارنة بين نسبة قراءته في الدقيقة، وتفكيره في الدقيقة مثلا اللهم إلا اذا تحسن بحيث ترتفع نسبة قراءته الى 1000 كلمة في الدقيقة مثلا، ويمكن ذلك من خلال تدريب نفسه على القراءة السريعة والقراءة يقسمها الخبراء الى اقسام هي: القراءة الدو صوتية، ومن اسسها: ـ رؤية الصفحة بوضوح ـ الجو الهاديء والمريح ـ نشر الكتاب امامك ـ اجادة تقلب الصفحات ـ تحريك اليد التحسطرية ـ عدم النكوص في اثناء القراءة.
2 ـ القراءة الفوصوتية التي يرادفها استيعاب مقدار اكبر من الكلمات بنظرة واحدة ومن اسسها: ـ النظر الى الكلمات من خلال ترتيبها الطبيعي ـ اعادة التأكد البصري في اثناء القراءة ـ القراءة شاقوليا ـ فهم شكل ما تقرؤه ـ التعرف الى الخطوات الخمس «النظرة العامة، النظرة التمهيدية، القراءة، النظرة اللاحقة، المراجعة» ـ نرى بعض الناس عندما يقرأ يضع يده او اصبعه تحت الاسطر، وهذا ليس خطأ بل اسلوبا من اساليب القراءة الصحيحة.
وبالمناسبة فإن الخبراء يقسمون حركات اليد في اثناء القراءة الى انواع: أ ـ تحريك اليد تحت السطر افقيا، ويسمى الخط التحسطري.
ب ـ تحريك اليد على شكل حرف S ج ـ تحريك على شكل ؟ و ـ تحريك اليد على شكل X منكفئا هـ ـ تحريك على شكل لولبي ز ـ تحريك اليد على شكل ل منكفئا ز ـ تحريك اليد على شكل U ح ـ تحريك اليد على شكل الفرشاة ط ـ تحريك اليد على شكل الهلال هذه الاساليب كلها نلاحظها لدى الناس عندما يقرأون ولكل منها موقع ومجال خاص به.
فالتحسطري للقراءة البطيئة وعلى شكل S للنظرة التمهيدية وعلى شكل؟ للنظرة العامة وعلى شكل X لقراءة الصحف والمجلات حيث تطبع على شكل اعمدة وعلى الشكل اللولبي لقراءة الاعمدة ايضا، وعلى شكل ل للطباعة العمدانية ايضا وعلى شكل U هو طريقة القمم في القراءة وعلى شكل الفرشاة لقراءة اسئلة الامتحان او في حال وجود ضوضاء وعلى طريقة الهلال للقراءة من اجل الدراسة.
اذن فإن لكل طريقته في القراءة كما ان القراء انواع ألا ترى ان قاريء المجلة غير قاريء الكتاب المدرسي وقاريء الكتاب الحر غير قاريء اسئلة الامتحان.
نعم كلهم يقرأون لكن الذي يقرأ شيئا ليمتحن فيه لابد له من خطوات خمس هي: النظرة العامة، النظرة التمهيدية، القراءة، النظرة اللاحقة، المراجعة.
وقد لوحظ ان معظم قراء الكتب يقولون: نحن نقرأ ولكننا ننسى سريعا.
اقول ليس عيبا ان تنسى لان الذي يقرأ لابد ان ينسى 50% مما قرأ خلال نصف ساعة و80% خلال 24 ساعة اذا لم يضع هدفا لقراءته، او لم يستخدم ما قرأه.
لذلك فإن الخبراء يقولون كي لا تنسى ما قرأته ردده ذهنيا او شفهياً كأن تحدث به شخصا ما، وهذا لعمري ليس من اكتشافات خبراء عصرنا، بل من توجيهات سلفنا ايضا.
يقول الامام احمد بن حنبل رحمه الله اذا اردت ان تحفظ حديثا من احاديث المصطفى فأعمل به.
ثم يقول قرأت مرة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم احتجم واعطى الحجام دينارا فذهبت الى السوق فاحتجمت واعطيت للحجام دينارا.
اعود فأقول: وضع الخبراء مستويات خمسة للاستيعاب: ـ المستوى الاول: ان يقرأ الانسان كتابا ما، فيتعرف على الاقل الى المفردات المستخدمة والتصورات وهنا تكون نسبة استيعابه من 10 ـ 20%.
ـ المستوى الثاني: ان يقرأ ويتعرف الى حقائق جمة، وتكون نسبة استيعابه من 20 ـ 40%.
ـ المستوى الثالث ان ينظر نظرة تمهيدية يلتقط من خلالها نماذج وافكاراً رئيسية ومواضيع اساسية وتكون نسبة استيعابه من 40 ـ 60%.
ـ المستوى الرابع ان يقرأ وتزداد سرعة قراءته مع ازدياد خبرته ويتعرف الى الامثلة والمواضيع ويدخل في التفاصيل وتكون نسبة استيعابه من 60 ـ 80%.
ـ المستوى الخامس: تكون قراءته سريعة ومريحة في الوقت نفسه مع القدرة على استيعاب ما يمكنه من دخول الامتحان وتكون نسبة استيعابه 80% فما فوق.
ـ هذا ما يذكره الفاضلان انس الرفاعي ومحمد عدنان سالم في كتابهما: تسريع القراءة في مجال كيفية تنمية الاستيعاب.
ـ اقول هذا في القرن الواحد والعشرين الذي دوخ الناس بقنواته الفضائية.
اما الامام الشافعي رحمه الله فقد قال قبل 14 قرنا من الزمن.
شكوت الى وكيع سوء حفظي فأرشدني الى ترك المعاصي واخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي يا ترى بأي مقياس تعاون الفضائيات الآن اولادنا على الحفظ والاستيعاب والاستذكار؟ هل بمقياس سلفنا الصالح ام بمقياس خبراء عصرنا؟ اعتقد انه لا بهذا ولا بذاك أليس كذلك؟
د. عارف الشيخ