كنت دوما ارقبه من خلف الستار وهو ذاهب الى عمله ...سعيد ...زينة شباب الحى..كان طويلا .. وسيما ..خمرى البشرة
..عيناه كحلاوان وتتدلى خصلات من شعره البنى الناعم على جبينه فتزداد جاذبيته ...تعلق به قلبى منذ عرفت الحب ..ولكنه ابدا لم يشعر بما يختلج بصدرى
تجاهه...كان هو واسرته يعيشون فى رغد من العيش الى ان اصيب والده فى حادث اعجزه عن العمل ..وضاق بهم الحال ..فكان لزاما على الفتى ان يترك دراسته
بكلية الهندسة لينفق على اسرته.. كان هو الولد الوحيد وله ثلاث اخوات يصغرنه ...تخلى سعيد عن حلم عمره بأن صبح مهندسا حين تخلى عن دراسته راضيا
ليكفى اسرته ذل السؤال ..كان ابنا بارا بوالديه وكان قرة أعينهم .. وكان محبوبا من الجميع لدماثة خلقه وشهامته ...كانت والدتى تربطها علاقة صداقة قوية بوالدة
سعيد وكنا نتبادل الزيارات وأحست السيدة بشعورى نحو ابنها فاحتضنتنى ذات مرة وقالت ...والله لن يتزوجك الا سعيد ..فأحمر وجهى خجلا وخبأت رأسى بين
احضانها ...وذات يوم دق جرس الباب دخلت أم سعيد والقلق بادى على محياها وكانت مضطربة.. وقالت لأمى انها تحس اختناقا شديدا لا تدرى ما سببه ؟؟
طمأنتها امى وهدأت من روعها وتجاذبت معها اطراف الحديث لتسرى عنها ..وكان سعيد فى هذه الاثناء يتناول الغذاء مع زملائه فى فترة راحتهم ...كان سعيد
محبوبا فى عمله وكان صاحب العمل يعتز به كثيرا ويعامله كإبن له.. لما لمسه منه من اخلاص وخلق كريم ..وكان صاحب العمل قوى البنية مفتول العضلات
..وكثيرا ما حمل سعيد بين يديه على سبيل المزاح ...وبعد ان انتهى سعيد من الغذاء قام ليعد اكوابا من الشاى لزملائه وتسلل من خلفه صاحب العمل يريد
مباغتته ..وفجأة ...حمله الرجل بين يديه كالطفل الصغير وانفجر ضاحكا ..فهلل العمال وجعلوا يضحكون ...ازدادت حماسة الرجل فمد يديه خارج المبنى وسعيد
بين يديه يضحك ملء فيه ..وكان السور حديث البناء فلم يتحمل ثقل الرجلين وتهاوى ...اختل توازن الرجل وسقط من الطابق الخامس وحمله بين يديه !!
انقلبت الضحكات الى صراخ وعويل وفى مشهد حزين التف العمال حول الجثتين وانخرط الجميع فى بكاء مرير ..
مرت سنوات على هذه المأساة وما زلت اقف خلف الستار ارمق - بعين تفيض دمعا وقلب مزقه الفراق - طريقا مشت عليه يوما .. خطى الحبيب..