انطلقَ صابر يقودُ سيارته بسرعةٍ كبيرةٍ بصحبة .....ه الوفىّ
(جو ) ؛ ليلحقَ موعدَ الحكم عليه فى محكمة الأحوال الشخصية
بالقاهرة فى قضية زيادة النفقة ، والتى أقامتها عليه زوجته
ومازالَ يقودُ شارداً ، ويلعنُ اليومَ الأسودَ الذى عرفها فيه
حتى اصطدمتْ سيارته بشاحنة لورى ، فانقلبتْ به سيارته
عدة انقلاباتٍ مدويّةٍ فقدَ الوعى على أثرها ، وقفزَ .....ُه جريحاً ..
وتحمّلَ ال.....ُ على نفسه ، وظلّ يزحفُ جريحاً حتى اقتربَ
مِن صاحبه صابر الذ ى كان يحتضرُ وظل واجماً يستعيدُ
ذاكرته وكيف اشتراه صابر من سيدةٍ قاسيةٍ كانت تنسى كثيراً
موعد طعامه ، ولاتلتفتُ إلا لنفسها فقط ، حتى أصبحَ ملكاً لصابر
وكم شاهدَ الخلافات الزوجية المحتدمة بين صابر وزوجته
المادية المتسلطة ؛ بسبب مطالبها المادية التى لاتنتهى أبداً
حتى انتهى الأمرُ بينهما بالطلاق ...
حضرَ رجال الإسعاف وأخذوا فى محاولة إنقاذ صابر ، وعدم
المبالاة بعلاج كلبه الذى ينزفُ بغزارةٍ ، وعاودتْ ال..... ( جو )
ذكرياته مع صاحبه صابر بعد تطليقه لزوجته ، وكيف كان
يشكو همومه لصديق الطفولة الحميم ؛ فترتاح نفسُ صابر
بعض الشيئ ، حتى فاجأه صديقه بأنه مضطر للسفر إلى دول
الخليج ؛ للبحث عن زيادة دخله ؛ سعياً وراء المادة ، وتاركاً
صابر وحيداً فى مصر التى يعشقُ ترابها ، ولايتخيلُ أنْ يبعدَ
عنها يوماً واحداً مهما كانتْ الإغراءاتُ الماديّة .....
ومازال الأطباءُ يحاولون إسعاف صابر ، ويهيم ال.....ُ فيتذكر
أنّ صاحبه صابر بعد طلاق زوجته ، وسفر صديق العمر
فالآن لم يعد له صديق غيرى أنا .....ه الوفى الذى أظل ساهراً
بجوار فراشه أحرسه من كل أنواع الشرور ، وأؤنس وحدته
فيناجينى واثقاً مِن إحساسى لما يريدُ ؛ فلاأعصى له أمراً ، وفى
الصباح يذهبُ لعمله ، فأصحبه فى سيارته ، ويتركنى ساعاتٍ
فلاأئن ولاأشكو ، وعندما يأتينى أحتضنه ، وكأننى طفلٌ ضالٌّ
قد عثرَ على أمه بعد حرمان ويأس شديد ....
أفاق صابر لحظاتٍ إثر محاولات التنفس الصناعى التى يجريها
الأطباء فى الشارع ، فينتعش الأمل عند .....ه ( جو ) الذى عادَ
لخياله الجامح ، وكيف مرّتْ الأيامُ ، وتوطدتْ فيه أواصرُ
الصداقة مع صاحبه ؛ لدرجة أنّ صابر كان يرسله لبائع الصحف
ليأتيَه بجريدة الصباح معلقة برقبته إلى فراشه ، ولن ينسى
ال.....ُ ( جو ) عندما استيقظَ صابر مبكراً مع آذان الفجر
وبعد الصلاة اصطحبه معه ؛ ليسيرا على ضفاف النيل
فتأخر خطواتٍ عن صاحبه ؛ ليلهو بين الحدائق الخضراء
التى أحاطتْ بنهر النيل ؛ فى لحظاتٍ من النشوة الجميلة
مستمتعاً بنسمات الصباح الأولى التى غازلتْ وبر جسمه فردّ
التحية للنسمات مداعباً ذيله فى سرورٍ ، وقد خلا النيلُ من
المحبين فى هذا الوقت المبكر ، فلاتسمعُ إلا أزيز العصافير التى
استيقظتْ ساعية إلى رزقها ، وتمد بصركَ للنيل فتشاهد رجلاً
كهلاً وقد رمى شباكه مِن قاربه الصغير ، داعياً الله أنْ يرزقه
برزقٍ كبيرٍ مِن الأسماك ، ثم أفاقَ ولم يجدْ صاحبه صابر بجواره
فأسرع كالصاروخ حتى وجد صابر وقدأحاط به ثلاثة مِن
اللصوص ، وقد ظهرَ على ملامحهم كل آثار العدوان والمخدرات
وماهى ثوانى حتى ألقى بجسمه عليهم دون أى خوف أو تردد
وأراد أن يعقرَ أحدهم لولا أن اللصوص ارتعبوا منه وسارعوا
بالهرب ، فحضنه صاحبه صابر قائلا :
تيقنتُ اليوم أننى أمام أوفى صديق حميم ، نعم صديق يفديكَ
بعمره ولاترهبه السكاكين ولاكثرة الأعداء ، بل يلازمكَ أينما
تكون دون أى مطمع غير لقيماتٍ ألقيها له بين الحين والحين..
وظلتْ أنفاسُ صابر تتلاحق مسرعة ، وأحس بدنوّ أجله فنادى
.....ه (جو) يودعه وينظر له بعيونٍ أدمعها الفراق ، وبقلبٍ
احترقَ مِن قسوة الزمان وغدر الناس ، ثم تهادتْ روحُ صابر
صاعدةً إلى بارئها ، فابتعدَ الأطباءُ واقتربَ ال.....ُ ( جو )
من صاحبه يحتضنه وينوح عليه ناسياً جرحه النازف حتى
مات هو الآخر فى حضن صاحبه ......